الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

قوله عزّ وجلّ: { يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ } الآية، قال سعيد بن جبير: نزلت هذه الآية في عدي بن حاتم وزيد بن المهلهل الطائيين وهو زيد الخيل الذي سمّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير، قالا: يا رسول الله إنّا قوم نصيد بالكلاب والبزاة فماذا يحلّ لنا منها؟ فنزلت هذه الآية. وقيل: سبب نزولها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بقتل الكلاب قالوا: يا رسول الله ماذا يحلّ لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ فنزلت هذه الآية فلمّا نزلت أذِنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في اقتناء الكلاب التي يُنتفع بها، ونهى عن إمساك مَا لا نفعَ فيه منها. أخبرنا أحمد بن عبدالله الصالحي أنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبدالله بن بِشْرَان أنا إسماعيل بن محمد الصفَّار أنا أحمد بن منصور الرَّمادي أنا عبدالرزاق أنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من اتّخذ كلباً إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط ". والأول أصح في سبب نزول الآية. { قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَـٰتُ } ، يعني: الذبائح على اسم الله تعالى، وقيل: كل ما تستطيبه العرب وتستلذّه من غير أنْ يرد بتحريمه نصٌ من كتاب أو سنة { وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ } ، يعني: وأحل لكم صيد ما علّمتم من الجوارح. واختلفوا في هذه الجوارح، فقال الضحاك والسدي: هي الكلاب دون غيرها، ولا يحل ما صاده غير الكلب إلا أن يُدْرِكَ ذكاتَه، وهذا غير معمول به، بل عامة أهل العلم على أنّ المراد من الجوارح الكواسب من سباع البهائم كالفهد والنمر والكلب، ومن سباع الطير كالبازي والعُقاب والصقر ونحوها ممّا يقبل التعليم، فيَحلّ صيدُ جميعها، سميت جارحة: لجرحها لأربابها أقواتهم من الصيد، أي: كسبها، يقال: فلان جارحة أهله، أي: كاسبهم، { مُكَلِّبِينَ } ، والمُكلّب الذي يغري الكلاب على الصيد، ويقال للذي يعلمها أيضاً: مُكلِّب، والكلاّب: صاحب الكلاب، ويقال للصائد بها أيضاً كلاّب، ونصبُ مكلّبين على الحال، أي: في حال تكليبكم هذه الجوارح أي إغرائكم إيّاها على الصيد، وذكر الكلاب لأنها أكثر وأعمّ، والمراد جميع جوارح الصيد، { تُعَلِّمُونَهُنَّ } ، تؤدّبونهن آدابَ أخذ الصيد، { مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ } ، أي: من العلم الذي علّمكم الله، قال السدي: أي: كما علّمكم الله، " من " بمعنى الكاف، { فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ }. أراد أن الجارحة المعلّمة إذا خرجتْ بإرسال صاحبها فأخذتِ الصيدَ وقتلتْه كان حلالاً، والتعليم هو أن يُوجِدَ فيها ثلاثة أشياء: إذا أُشليتْ اسْتَشْلَتْ، وإذا زُجِرَتْ انْزَجَرَتْ، وإذا أخذتِ الصيدَ أمْسَكتْ ولم تأكل، وإذا وجد ذلك منه مراراً وأقله ثلاث مرات كانت معلّمة، يحل قتلها إذا خرجت بإرسال صاحبها.