الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } * { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوۤاْ } ، اطلبوا، { إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ } ، أي: القربة، فعيلة مِنْ توسل إلى فلان بكذا، أي: تقرب إليه وجمعها وسائل، { وَجَـٰهِدُواْ فِى سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [تلخيصه: امتثلوا أمر الله تنجوا]. { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ } ، أخبر أن الكافر لو ملك الدنيا كلها ومثلها معها ثم فدى بذلك نفسه من العذاب لم يقبل منه ذلك الفداء، { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }. { يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَـٰرِجِينَ مِنْهَا } ، فيه وجهان، أحدهما: أنهم يقصدون ويطلبون المخرج منها كما قال الله تعالى:كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا } [الحج: 22] والثاني: أنهم يتمنّون ذلك بقلوبهم كما قال الله تعالىٰ إخباراً عنهم:رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا } [المؤمنون: 107] { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ }. قوله تعالى: { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا } ، أراد به أيمانهما، وكذلك هو في مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وحكمه أن من سرق [نصاباً] من المال من حرز لا شبهة له فيه تقطع يده اليمنى من الرسغ، ولا يجب القطع في سرقة ما دون النصاب عند عامة أهل العلم، حكي عن ابن الزبير أنه كان يقطع في الشيء القليل، وعامّة العلماء على خلافه. واختلفوا في القدر الذي يقطع به: فذهب أكثرهم إلى أنه لا يقطع في أقل من ربع دينارٍ، فإن سرق ربع دينار أو متاعاً قيمته ربع دينار يقطع، وهو قول أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله تعالى عنهم، وبه قال عمر بن عبدالعزيز والأوزاعي والشافعي رحمهم الله، لِما أخبرنا عبدالوهاب بن محمد الكسائي أنا عبدالعزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " القطع في ربع دينار فصاعداً " أخبرنا أبو الحسن الشيرزي أخبرنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن نافع عن عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع سارقاً في مجن [ثمنه] ثلاثة دراهم. ورُوي عن عثمان أنه قطع سارقاً في أُتْرُجَّة قوّمت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهماً بدينار. وهذا قول مالك رحمه الله تعالى أنه يقطع في ثلاثة دراهم. وذهب قوم إلى أنه لا يقطع في أقل من دينار أو عشرة دراهم، ويُروى ذلك عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وإليه ذهب سفيان الثوري وأصحاب الرأي، وقال قوم: لا يقطع إلا في خمسة دراهم ويُروى ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه وبه قال ابن أبي ليلى.

السابقالتالي
2