الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله عز وجل { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } ، أي: ما ذُكر على ذبحه غيرُ اسمِ الله تعالى، { وَٱلْمُنْخَنِقَةُ } ، وهي التي تخنتق فتموت، قال ابن عباس: كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة حتى إذا ماتتْ أكلوها، { وَٱلْمَوْقُوذَةُ } هي المقتولة بالخشب، قال قتادة: كانوا يضربونها بالعصا فإذا ماتتْ أكلوها، { وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ } ، هي التي تتردّى من مكان عالٍ أو في بئر فتموت، { وَٱلنَّطِيحَةُ } ، هي التي تنطحها أخرى فتموت، وهاء التأنيث تدخل في الفعيل إذا كان بمعنى الفاعل، فإذا كان بمعنى المفعول استوى فيه المذكر والمؤنث، نحو عينٌ كحيلٌ وكفٌّ خَضِيبٌ، فإذا حذف الاسم وأفردت الصفةَ، أدخلوا الهاء فقالوا: رأينا كحيلة وخضيبة، وهنا أُدخل الهاء لأنه لم يتقدمها الاسم، فلو أسقط الهاء لم يُدْرَ أنها صفة مؤنث أو مذكر، ومثله الذبيحة والنسيكة، وأكيلة السبع { وَمَا أَكَلَ ٱلسَّبُعُ } ، يريد ما بقي ممّا أكل السبع، وكان أهل الجاهلية يأكلونه، { إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } ، يعني: إلا ما أدركتم ذكاته من هذه الأشياء. وأصل التذكية الإتمام، يقال: ذكّيتُ النارَ إذا أتممتُ إشعالها، والمراد هنا: إتمام فري الأوداج وإنهارُ الدم. قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " ما أنْهَرَ الدّمَ وذُكِرَ اسمُ الله عليه فكُلْ ليس غير السّن والظفر " وأقل الذكاة في الحيوان المقدور عليه قطع المري والحُلقوم وكما له أن يقطع الودجين معهما، ويجوز بكل مُحدّد يقطع من حديد أو قصب أو زجاج أو حجر إلا السن والظفر، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الذبح بهما، وإنّما يحلّ ما ذكّيتَه بعدما جرحَه السبعُ أو أكل شيئاً منه إذا أدركتَه والحياةُ فيه مستقرةٌ فذبحته، فأمّا مَا صار بجرح السبع إلى حالة المذبوح، فهو في حكم الميتة، فلا يكون حلالاً وإن ذبحته، وكذلك المتردّية والنّطيحة إذا أدركتَها حيّةً قبل أن تصير إلى حالة المذبوح فذبحتها تكون حلالاً، ولو رمى إلى صيد في الهواء فأصابه فسقط على الأرض فمات كان حلالاً، لأن الوقوع على الأرض من ضرورته، فإن سقط على جبل أو شجر أو سطح ثم تردّى منه فمات فلا يحلّ، وهو من المتردية إلاّ أن يكون السهم أصاب مذبحه في الهواء فيحلّ كيفَ مَا وقع، لأن الذبح قد حصل بإصابة السهم المَذْبَح. { وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } ، قيل: النُّصُب جمعٌ، واحده نصاب، وقيل: هو واحد وجمعه أنصاب مثل عنق وأعناق، وهو الشيء المنصوب. واختلفوا فيه، فقال مجاهد وقتادة: كانت حول البيت ثلاثمائة وستون حجراً منصوبة، كان أهل الجاهلية يعبدونها ويُعظِّمونها ويذبحون لها، وليست هي بأصنام، إنما الأصنام هي المُصَوَّرة المنقوشة، وقال الآخرون: هي الأصنام المنصوبة، ومعناه: ما ذُبح على اسم النُّصبِ، قال ابن زيد: وما ذُبح على النصب وما أُهلّ لغير الله به: هما واحد، قال قطرب: على بمعنى اللام أي: وما ذُبح لأجل النُّصب.

السابقالتالي
2 3 4