{ فَبِمَا نَقْضِهِمِ } أي: فبنقضهم، و " ما " صلة، { مِّيثَـٰقَهُمْ } ، قال قتادة: نقضوه من وجوه لأنهم كذّبوا الرسل الذين جاؤوا بعد موسى وقتلوا الأنبياء ونبذوا كتابه وضيّعوا فرائضه، { لَعَنَّـٰهُمْ } ، قال [عطاء]: أبعدناهم من رحمتنا، قال الحسن ومقاتل: عذبناهم بالمسخ، { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً } ، قرأ حمزة والكسائي قسيّة بتشديد الياء من غير ألف، وهما لغتان مثل الذاكية والذكية، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: قاسية أي يابسة، وقيل: غليظة لا تلين، وقيل معناه: إن قلوبهم ليست بخالصة للإيمان بل إيمانهم مشوب بالكفر والنفاق، ومنه الدراهم القاسية وهي الردية المغشوشة. { يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَٰضِعِهِ } ، قيل: هو تبديلهم نعت النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: تحريفهم بسوء التأويل، { وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } ، أي: وتركوا نصيبَ أنفسهم مما أُمروا به من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبيان نعته، { وَلاَ تَزَالُ } ، [يا محمد]، { تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ } ، أي: على خيانة، فاعلة بمعنى المصدر كالكاذبة واللاّغية، وقيل: هو بمعنى الفاعل والهاء للمبالغة مثل [روَّاية] ونسابة وعلاّمة وحسّابة، وقيل: على فرقة خائنة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: على خائنة، أي: على معصية، وكانت خيانتهم نقضهم العهد ومظاهرتهم المشركين على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهمّهم بقتله وسمّه، ونحوهما من خياناتهم التي ظهرت منهم، { إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ } ، لم يخونوا ولم ينقضوا العهد وهم الذين أسلموا من أهل الكتاب، { فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ } ، أي: أعرض عنهم ولا تتعرض لهم، { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } ، وهذا منسوخ بآية السيف. قوله عزّ وجلّ: { وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَـٰرَىٰ أَخَذْنَا مِيثَـٰقَهُمْ } ، قيل: أراد بهم اليهود والنصارى فاكتفى بذكر أحدهما، والصحيح أن الآية في النصارى خاصة لأنه قد تقدم ذكر اليهود، وقال الحسن: فيه دليل على أنهم نصارى بتسميتهم لا بتسمية الله تعالى، أخذنا ميثاقهم في التوحيد والنبوّة، { فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ به فَأغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ والْبَغْضَآءَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } ، بالأهواء المختلفة والجدال في الدين، قال مجاهد وقتادة: يعني بين اليهود والنصارى، وقال قوم: هم النصارى وحدهم صاروا فرقاً منهم اليعقوبية والنسطورية والملكانية، وكل فرقة تكفّر الأخرى، { وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } في الآخرة.