الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنْكَ وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } * { قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّيۤ أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ }

{ قَالُواْ نُرِيدُ } أي: إنّما سألنا لأنّا نُريد، { أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا } ، أكل تبرك لا أكل حاجة فنستيقن قدرته، { وَتَطْمَئِنَّ } ، تسكن، { قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا } ، بأنّك رسول الله، أي: نزداد إيماناً ويقيناً، وقيل إن عيسى عليه السلام أمرهم أن يصوموا ثلاثين يوماً، فإذا أفطروا لا يسألون الله شيئاً إلاّ أعطاهم، ففعلوا وسألوا المائدة، وقالوا: " ونعلم أن قد صدقتنا " في قولك، إنا إذا صمنا ثلاثين يوماً لا نسأل الله تعالىٰ شيئاً إلاّ أعطانا، { وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ } ، لله بالوحدانية والقدرة، ولك بالنبوة والرسالة، وقيل: ونكون من الشاهدين لك عند بني إسرائيل إذا رجعنا إليهم. { قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ } ، عند ذلك، { ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } ، وقيل: إنه اغتسل ولبس المسح وصلّى ركعتين وطأطأ رأسه وغضّ بصره وبكى، ثم قال: اللهم ربَّنا أنزل علينا مائدةً من السماء، { تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا } ، أي: عائدة من الله علينا حجّة وبرهاناً، والعيد: يوم السرور، وسمّي به للعود من الترح إلى الفرح، وهو اسم لما اعتدته ويعود إليك، وسمي يوم الفطر والأضحى عيداً لأنهما يعودان في كل سنة، قال السدي: معناه نتخذ اليوم الذي أنزلتْ فيه عيداً لأوّلنا وآخرنا، أي: نعظمه نحن ومن بعدنا، وقال سفيان: نصلّي فيه، قوله: { لأوّلنا } ، أي: لأهل زماننا { وآخرنا } ، أي: لمن يجيء بعدنا، وقال ابن عباس: يأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم، { وَءَايَةً مِّنْكَ } ، دلالة وحجة، { وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ }. { وَقَالَ ٱللَّهُ } تعالىٰ مجيباً لعيسى عليه السلام، { إِنِّى مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ } ، يعني: المائدة وقرأ أهل المدينة وابن عامر وعاصم " منزّلها " بالتشديد لأنها نزلت مرات، والتفعيل يدلّ على التكرير مرة بعد أخرى وقرأ الآخرون بالتخفيف لقوله أنزل علينا، { فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ } ، أي: بعد نزول المائدة { فَإِنِّىۤ أُعَذِّبُهُ عَذَاباً } ، أي: جنس عذاب، { لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ ٱلْعَـٰلَمِينَ } ، يعني: عالمي زمانه، فجحد القوم وكفروا بعد نزول المائدة فَمُسِخُوا قردة وخنازير، قال عبدالله بن عمرو: إنّ أشد الناس عذاباً يوم القيامة المنافقون ومن كفر من أصحاب المائدة وآل فرعون. واختلف العلماء في المائدة هل نزلت أم لا؟ فقال مجاهد والحسن: لم تنزل لأن الله عزّ وجلّ لمّا أوعدهم على كفرهم بعد نزول المائدة خافوا أن يكفر بعضهم فاستعفوا، وقالوا: لا نريدها، فلم تنزل، وقوله: " إني منزلها عليكم " ، يعني: إن سألتم. والصحيح الذي عليه الأكثرون أنها نزلت لقوله تعالى: " إني منزّلها عليكم " ، ولا خُلْفَ في خبره، لتواتر الأخبار فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين. واختلفوا في صفتها فرَوى خلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها نزلت خبزاً ولحماً، وقيل لهم: إنها مقيمة لكم ما لم تخونوا [وتخبؤوا] فما مضى يومهم حتى خانوا وخبؤوا فمسخوا قردة وخنازير.

السابقالتالي
2