الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا ٱعْتَدَيْنَآ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ أَوْ يَخَافُوۤاْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَٱسْمَعُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ }

فأنزل الله عزّ وجلّ: { فَإنْ عُثِرَ } أي: اطلع على خيانتهما، وأصل العثور: الوقوع على الشيء، { عَلَىٰ أَنَّهُمَا } ، يعني: الوصيين { ٱسْتَحَقَّآ } ، استوجبا، { إِثْماً } ، بخيانتهما وبأيمانهما الكاذبة، { فَآخَرَانِ } ، من أولياء الميت، { يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا } ، بمعني: مقام الوصيين، { مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ } ، بضم التاء على المجهول، هذا قراءة العامة، يعني: الذين استحق، { عَلَيْهِمُ } ، أي فيهم ولأجلهم الإثم وهم ورثة الميت استحق الحالفان بسببهم الإثم و على بمعنى في كما قال الله:عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ } [البقرة: 102]، [أي: في ملك سليمان]، وقرأ حفص استحق بفتح التاء والحاء، وهي قراءة علي والحسن، أي: حقّ ووجب عليهم الإثم، يقال: حق واستحق بمعنى واحد، { ٱلأَوْلَيَانِ } ، نعت للآخران، أي: فآخران الأوليان، وإنما جاز ذلك، و { الأوليان } ، معرفة والآخران نكرة لأنه لمّا وصف الـ " آخران " ، فقال { من الذين } صار كالمعرفة و { الأوليان } تثنية الأوْلى، والأولى هو الأقرب، وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم ويعقوب { الأولين } بالجمع فيكون بدلاً من الذين، والمراد منهم أيضاً أولياء الميت. ومعنى الآية: إذا ظهرتْ خيانة الحالفين يقوم اثنان آخران من أقارب الميت، { فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَـٰدَتُنَآ أَحَقُّ مِن شَهَـٰدَتِهِمَا } ، يعني: يميننا أحق من يمينهما، نظيره قوله تعالى في اللعان:فَشَهَـٰدَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَـٰدَاتٍ بِٱللَّهِ } [النور: 6]، والمراد بها الأيمان، فهو كقول القائل: أشهد بالله، أي: أُقسم بالله، { وَمَا ٱعْتَدَيْنَآ } في أيماننا، وقولنا إنّ شهادتنا أحقّ من شهادتهما، { إِنَّآ إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ }. فلما نزلت هذه الآية قام عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة السهميان، فحلفا بالله بعد العصر فدفع الإناء إليهما وإلى أولياء الميت، فكان تميم الداري بعدما أسلم يقول: صدق الله ورسوله أنا أخذت الإناء، فأتوب إلى الله وأستغفره. وإنما انتقل اليمين إلى الأولياء لأن الوصيين ادعيا أنهما ابتاعاه. والوصي إذا أخذ شيئاً من مال الميت وقال: إنه أوصى لي به حلف الوارث، إذا أنكر ذلك، وكذلك لو ادّعى رجل سلعة في يد رجل فاعترف ثم ادّعى أنه اشتراها من المدعي، حلف المدعي أنه لم يبعها منه. ويُروى عن ابن عباس رضي الله عنهما عن تميم الداري قال: كنّا بعنا الإناء بألف درهم فقسمتها أنا وعديّ، فلما أسلمت تأثمت فأتيت موالي الميت فأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها فأتوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلف عمرو والمطلب فنزعت الخمسمائة من عدي، ورددتُ أنا الخمسمائة. فذلك قوله تعالى: { ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَـٰدَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ } ، أي: ذلك الذي حكمنا به من ردّ اليمين أجدر وأحرى أن يأتي الوصيان بالشهادة على وجهها وسائر الناس أمثالهم، أي: أقرب إلى الإتيان بالشهادة على ما كانت، { أَوْ يَخَـٰفُوۤاْ أَن تُرَدَّ أَيْمَـٰنٌ بَعْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ } ، أي: أقرب إلى أن يخافوا رد اليمين بعد يمينهم على [المدعي] فيحلفوا على خيانتهم وكذبهم فيفتضحوا ويغرموا، فلا يحلفون كاذبين إذا خافوا هذا الحكم، { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } ، أن تحلفوا أيماناً كاذبة أو تخونوا الأمانة، { وَٱسْمَعُواْ } ، الموعظة، { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ }.