الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ }

قوله تعالى: { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } ، أي: بالعهود، قال الزجاج: هي أوكد العهود، يقال: عاقدتُ فلاناً وعقدتُ عليه أي: ألزمتُه ذلك باستيثاق، وأصله من عقد الشيء بغيره ووصله به، كما يُعقد الحبل بالحبل [إذا وُصل]. واختلفوا في هذه العقود، قال ابن جُريج: هذا خطاب لأهل الكتاب، يعني: يا أيّها الذين آمنُوا بالكتب المتقدمة أوْفُوا بالعهود التي عهدتُها إليكم في شأن محمد صلى الله عليه وسلم، وهو قوله:وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ } [آل عمران: 187]. وقال الآخرون: هو عام، قال قتادة: أراد بها الحِلْف الذي تعاقدوا عليه في الجاهلية، قال ابن مسعود رضي الله عنه: هي عهود الإيمان والقرآن، وقيل: هي العقود التي يتعاقدها الناس بينهم. { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ } ، قال الحسن وقتادة: هي الأنعام كلّها، وهي الإبل والبقر والغنم، وأراد تحليل ما حرّم أهل الجاهلية على أنفسهم من الأنعام. وروى أبو ظبيان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بهيمة الأنعام هي الأجنّة، ومثله عن الشعبي قال: هي الأجنّة التي تُوجد ميتة في بطون أمهاتها إذا ذُبحت أو نحرت، ذهب أكثر أهل العلم إلى تحليله. [قال الشيخ الإمام]: قرأتُ على أبي عبدالله محمد بن الفضل الخرقي فقلتُ: قُرىء على أبي سهل محمد بن عمر بن طرفة وأنتَ حاضر، فقيل له: حدثكم أبو سليمان الخطابي أنا أبو بكر بن داسة أنا أبو داود السجستاني أنا مسدد أنا هشيم عن مجالد عن أبي الوداك " عن أبي سعيد رضي الله عنهم قال قلنا: يا رسول الله، ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة فنجد في بطنها الجنين، أنلقيه أم نأكله؟ فقال: «كلوه إنْ شئتُمْ فإنّ ذكاتَه ذكاةُ أمّه» " وروى أبو الزبير عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ذكاة الجنين ذكاة أمّه " وشرط بعضهم الإشعار، قال ابن عمر: ذكاة ما في بطنها في ذكاتها إذا تَمَّ خلقُه ونبتَ شعرُه، ومثله عن سعيد بن المسيب. وعند أبي حنيفة رضي الله عنه: لا يحلُّ أكل الجنين إذا خرج ميتاً بعد ذكاة الأم. وقال الكلبي: بهيمة الأنعام: وَحْشِيُّها، وهي الظباء وبقر الوحش، سُميت بهيمةٌ لأنها أُبهمت عن التمييز، وقيل: لأنها لا نطق لها، { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } ، أي: ما ذُكر في قوله: " حُرّمتْ عليكم الميتةُ " إلى قوله: " وما ذُبِحَ على النُّصُب " ، { غَيْرَ مُحِلِّى ٱلصَّيْدِ } ، وهو نصب على الحال، أي: لا مُحلّي الصيد، ومعنى الآية: أُحلّتْ لكم بهيمةُ الأنعام كلّها إلا ما كان منها وحشياً، فإنه صيدٌ لا يحِلّ لكم في حال الإحرام، فذلك قوله تعالىٰ: { وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ }.