الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } * { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

قوله عز وجل: { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ ءَامَنَّا } ، الآية. نزلت في نفر من بني أسد بن خزيمة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة جدبة فأظهروا الإِسلام ولم يكونوا مؤمنين في السر، فأفسدوا طرق المدينة بالعذرات وأغلوا أسعارها وكانوا يغدون ويروحون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون: أتتك العرب بأنفسها على ظهور رواحلها، وجئناك بالأثقال والعيال والذراري، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان، يمنون على النبي صلى الله عليه وسلم، ويريدون الصدقة، ويقولون: أعطِنا، فأنزل الله فيهم هذه الآية. وقال السدي: نزلت في الأعراب الذين ذكرهم الله في سورة الفتح، وهم أعراب من جهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار، كانوا يقولون: آمنا ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم، فلما استنفروا إلى الحديبية تخلفوا، فأنزل الله عزّ وجل { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ ءَامَنَّا } صدقنا. { قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا } ، انقدنا واستسلمنا مخافة القتل والسبي، { وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَـٰنُ فِى قُلُوبِكُمْ } ، فأخبر أن حقيقة الإِيمان التصديق بالقلب، وأن الإِقرار باللسان وإظهار شرائعه بالأبدان لا يكون إيماناً دون التصديق بالقلب والإخلاص. أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا محمد بن غُرَيْرٍ الزهري، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح، عن ابن شهاب، أخبرني عامر بن سعد عن أبيه قال " أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطاً وأنا جالس فيهم، قال: فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم رجلاً لم يعطه وهو أعجبهم إليَّ، فقمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساررته، فقلت: مالك عن فلان؟ والله إني لأراه مؤمناً، قال: أو مسلماً قال: فسكت قليلاً ثم غلبني ما أعلم منه، فقلت: يا رسول الله مالك عن فلان فوالله إني لأراه مؤمناً؟ قال: أو مسلماً، قال: " إني لأعطي الرجلَ وغيرُه أحب إليَّ منه خشية أن يُكبّ في النار على وجهه ". فالإِسلام هو الدخول في السلم وهو الانقياد والطاعة، يقال: أسلم الرجل إذا دخل في السلم كما يقال: أشتى الرجل إذا دخل في الشتاء، وأصاف إذا دخل في الصيف، وأربع إذا دخل في الربيع، فمن الإسلام ما هو طاعة على الحقيقة باللسان، والأبدان والجنان، كقوله عزّ وجلّ لإِبراهيم عليه السلام:أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [البقرة:131]، ومنه ما هو انقياد باللسان دون القلب، وذلك قوله: { وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَـٰنُ فِى قُلُوبِكُمْ }. { وَإِن تُطِيعُواْ ٱللهَ وَرَسُولَهُ } ، ظاهراً وباطناً سراً وعلانية. قال ابن عباس تخلصوا الإِيمان، { لاَ يَلِتْكُم } قرأ أبو عمرو " يالتكم " بالألف لقوله تعالى:

السابقالتالي
2