الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } * { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } * { وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَٰناً مَّعَ إِيمَٰنِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }

بسم الله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ. { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } ، اختلفوا في هذا الفتح: روي عن أبي جعفر الرازي عن قتادة عن أنس: أنه فتح مكة، وقال مجاهد: فتح خيبر. والأكثرون على أنه صلح الحديبية. ومعنى الفتح فتح المنغلق، والصلح مع المشركين بالحديبية كان متعذراً حتى فتحه الله عزّ وجلّ. ورواه شعبة عن قتادة عن أنس: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } ، قال: الحديبية. أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان، يوم الحديبية كنّا مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة، والحديبية بئر، فنزحناها فلم نترك فيها قطرة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها، ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبّه فيها فتركناها غير بعيد، ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا. وقال الشعبي في قوله: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } ، قال: فتح الحديبية، غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأُطعموا نخل خيبر وبلغ الهدي محله، وظهرت الروم على فارس، ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس. قال الزهري: لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية، وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في قلوبهم، أسلم في ثلاث سنين خلق كثير، وكثر بهم سواد الإِسلام. قوله عزّ وجلّ: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } ، أي قضينا لك قضاءً بيناً. وقال الضحاك: إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً بغير قتال، وكان الصلح من الفتح. قيل: اللام في قوله: " ليغفر " لام كي معناه: إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة في الفتح. وقال الحسين ابن الفضل: هو مردود إلى قوله:وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } [محمد:19]. { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } ، و { لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ } الآية. وقال محمد بن جرير: هو راجع إلى قوله:إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللهِ وَٱلْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ } [النصر:1-3]، ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك في الجاهلية قبل الرسالة، وما تأخر إلى وقت نزول هذه السورة. وقيل: " ما تأخر " مما يكون، وهذا على طريقة من يجوز الصغائر على الأنبياء. وقال سفيان الثوري: " ما تقدم " ممّا عملت في الجاهلية، " وما تأخر " كل شيء لم تعمله، ويذكر مثل ذلك على طريق التأكيد، كما يقال أعطى من رآه ولم يره، وضرب من لقيه ومن لم يلقه.

السابقالتالي
2