الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } * { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً } * { وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً } * { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } * { سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ ٱللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً }

{ سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } قال ابن عباس، ومجاهد: يعني أعراب غفار ومزينة وجهينة، وأشجع وأسلم، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمراً استنفر من حول المدينة من الأعراب وأهل البوادي ليخرجوا معه حذراً من قريش أن يعرضوا له بحرب، أو يصدوه عن البيت، فأحرم بالعمرة وساق معه الهدي ليعلم الناس أنه لا يريد حرباً، فتثاقل عن كثير من الأعراب وتخلفوا واعتلوا بالشغل، فأنزل الله تعالى فيهم: { سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } يعني الذين خلفهم الله عزّ وجلّ عن صحبتك، إذا انصرفت إليهم فعاتبهم على التخلف. { شَغَلَتْنَآ أَمْوَٰلُنَا وَأَهْلُونَا } ، يعني النساء والذراري، أي لم يكن لنا من يخلفنا فيهم { فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا } ، تخلُّفَنا عنك، فكذَّبهم الله عزّ وجلّ في اعتذارهم، فقال: { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ } ، من أمر الاستغفار، فإنهم لا يبالون استغفر لهم النبي صلى الله عليه وسلم أو لا. { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ ٱللهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً } ، سوءاً، { أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً } ، قرأ حمزة والكسائي: " ضراً " بضم الضاد، وقرأ الآخرون بفتحها لأنه قابله بالنفع والنفع ضد الضر، وذلك أنهم ظنوا أن تخلفهم عن النبي صلى الله عليه وسلم يدفع عنهم الضر، ويعجل لهم النفع بالسلامة في أنفسهم وأموالهم، فأخبرهم أنه: إن أراد بهم شيئاً من ذلك لم يقدر أحد على دفعه. { بَلْ كَانَ ٱللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }. { بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً } ، أي ظننتم أن العدو يستأصلهم فلا يرجعون، { وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِى قُلُوبِكُمْ } ، زين الشيطان ذلك الظن في قلوبكم، { وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ } ، وذلك أنهم قالوا: إن محمداً وأصحابه أكَلة رأس، فلا يرجعون، فأين تذهبون معه، انتظروا ما يكون من أمرهم. { وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً } ، هلكى لا تصلحون لخير. { وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِٱللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ سَعِيراً * وَللهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَكَانَ ٱللهُ غَفُوراً رَّحِيماً }. { سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ } ، يعني هؤلاء الذين تخلفوا عن الحديبية، { إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ } ، سرتم وذهبتم أيها المؤمنون، { إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا } ، يعني غنائم خيبر، { ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ } ، إلى خيبر لنشهد معكم قتال أهلها، وذلك أنهم لما انصرفوا من الحديبية وعدهم الله فتح خيبر وجعل غنائمها لمن شهد الحديبية خاصة عوضاً عن غنائم أهل مكة إذا انصرفوا عنهم على صلح ولم يصيبوا منهم شيئاً. قال الله تعالى: { يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلَـٰمَ ٱللهِ } ، قرأ حمزة والكسائي: " كَلَّمَ ٱللهُ " بغير ألف جمع كلمة، وقرأ الآخرون: { كَلَـٰمَ ٱللهِ } ، يريدون أن يغيروا مواعيد الله تعالى لأهل الحديبية بغنيمة خيبر خاصة.

السابقالتالي
2