الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَٰلَهُمْ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَاطِلَ وَأَنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ } * { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ } * { سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ } * { وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ }

{ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللهِ أضَلَّ أَعْمَـٰلَهُمْ } أبطلها فلم يقبلها وأراد بالأعمال ما فعلوا من إطعام الطعام وصلة الأرحام، قال الضحاك: أبطل كيدهم ومكرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، وجعل الدائرة عليهم. { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ } ، قال سفيان الثوري: يعني لم يخالفوه في شيء، { وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وصَدُّواْ } مشركو مكة { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } الأنصار. { كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَـٰتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } ، حالهم، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: عصمهم أيام حياتهم، يعني أن هذا الإِصلاح يعود إلى إصلاح أعمالهم حتى لا يعصوا. { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَـٰطِلَ } ، الشيطان، { وَأَنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ } ، يعني القرآن { كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللهُ لِلنَّاسِ أَمْثَـٰلَهُمْ } ، أشكالهم، قال الزجاج: كذلك يبين الله أمثال حسنات المؤمنين، وإضلال أعمال الكافرين. { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } ، نصبٌ على الإغراء، أي فاضربوا رقابهم يعني أعناقهم. { حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ } ، بالغتم في القتل وقهرتموهم، { فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ } ، يعني في الأسر حتى لا يفلتوا منكم، والأسر يكون بعد المبالغة في القتل، كما قال:مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ } [الأنفال:67]، { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً } ، يعني: بعد أن تأسروهم فإمّا أن تمنّوا عليهم منّاً بإطلاقهم من غير عوض، وإمّا أن تفادوهم فداء. واختلف العلماء في حكم هذه الآية، فقال قوم: هي منسوخة بقوله:فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِى ٱلْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ } [الأنفال:57]، وبقوله:فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [التوبة:5]، وإلى هذا القول ذهب قتادة والضحاك والسدي وابن جريج، وهو قول الأوزاعي وأصحاب الرأي، قالوا: لا يجوز المنّ على من وقع في الأسر من الكفار ولا الفداء. وذهب آخرون إلى أن الآية محكمة والإمام بالخيار في الرجال العاقلين من الكفار إذا وقعوا في الأسر بين أن يقتلهم أو يسترقَّهم أو يمن عليهم، فيطلقهم بلا عوض أو يفاديهم بالمال، أو بأسارى المسلمين، وإليه ذهب ابن عمر، وبه قال الحسن، وعطاء وأكثر الصحابة والعلماء، وهو قول الثوري، والشافعي، وأحمد وإسحاق. قال ابن عباس: لما كثر المسلمون واشتد سلطانهم أنزل الله عزّ وجلّ في الأسارى { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدآءً }. وهذا هو الأصح والاختيار، لأنه عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده: أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث، حدثنا سعيد بن أبي سعيد سمع أبا هريرة قال " بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلاً قِبَلَ نجدٍ فجاءت برجلٍ من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال،فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي خير يا محمد إن تقتل تقتل ذا دمٍ، وإن تُنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت، حتى كان الغد، فقال له: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي ما قلت لك إن تُنعم تنعم على شاكر،إن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال سل تعط فتركه حتى كان بعد الغد، فقال له: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي ما قلت لك، فقال: " أطلقوا ثمامة " ، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، يا محمد والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه كلها إليّ، والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحبّ الدين إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك فأصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: أَصَبَوْتَ؟ فقال: لا، ولكن أسلمتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

السابقالتالي
2 3