الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ } * { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَاءَهُمْ } * { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } * { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } * { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } * { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَٰهُمْ }

{ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِىَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِىۤ أَخْرَجَتْكَ } ، أي أخرجك أهلها، قال ابن عباس: كم رجال هم أشد من أهل مكة؟ يدل عليه قوله: { أَهْلَكْنَـٰهُمْ } ولمْ يقل: أهلكناها، { فَلاَ نَـٰصِرَ لَهُمْ } " قال ابن عباس: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى الغار التفت إلى مكة وقال: " أنت أحبّ بلاد الله إلى الله وأحبّ بلاد الله إليَّ ولو أن المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك " فأنزل الله هذه الآية. { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ } ، يقين من دينه، محمدٌ والمؤمنون، { كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } ، يعني عبادة الأوثان، وهم أبو جهل والمشركون. { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } ، أي صفتها، { فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ } ، آجن متغير منتن، قرأ ابن كثير " أسن " بالقصر، والآخرون بالمد، وهما لغتان يقال: أسن الماء يأسن أسناً، وأجن يأجن، أسوناً وأجوناً إذا تغير، { وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَـٰرٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ } ، لذيذة، { لِّلشَّـٰرِبِينَ } ، لم تدنسها الأرجل ولم تدنسها الأيدي، { وَأَنْهَـٰرٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى }. أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغافر بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، أخبرنا أبو أسامة وعبد الله بن نمير وعلي بن مسهر، عن عبيد الله بن عمر، عن خُبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سيحان وجيحان والنيل والفرات كلٌّ من أنهار الجنة ". قال كعب الأحبار: نهر دجلة نهر ماء أهل الجنة، ونهر الفرات نهر لبنهم، ونهر مصر نهر خمرهم، ونهر سيحان نهر عسلهم، وهذه الأنهار الأربعة تخرج من نهر الكوثر. { وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَـٰلِدٌ فِى ٱلنَّارِ } ، أي من كان في هذا النعيم كمن هو خالد في النار، { وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً } ، شديد الحر تسعر عليهم جهنم منذ خلقت إذا أُدني منهم شوى وجوههم ووقعت فروة رؤوسهم فإذا شربوه، { فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } ، فخرجت من أدبارهم، والأمعاء جميع ما في البطن من الحوايا واحدها معي. { وَمِنْهُمْ } ، يعني من هؤلاء الكفار، { مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } ، وهم المنافقون، يستمعون قولك فلا يعونه ولا يفهمونه، تهاوناً به وتغافلاً، { حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ } ، يعني فإذا خرجوا من عندك، { قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } ، من الصحابة: { مَاذَا قَالَ } ، محمد، { ءَانِفاً }؟ يعني الآن، وهو من الائتناف ويقال: ائتنفت الأمر أي ابتدأته وأنف الشيء أوله. قال مقاتل: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب ويعيب المنافقين، فإذا خرجوا من المسجد سألوا عبد الله بن مسعود استهزاءً ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال ابن عباس: وقد سئلت فيمن سئل.

السابقالتالي
2