الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }

{ وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَـٰفِرِينَ } جاحدين، بيانه قوله:تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } [القصص: 63]. { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتُنَا بَيِّنَـٰتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } يسمون القرآن سحراًً. { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } ، محمد من قِبَل نفسه، فقال الله عزّ وجلّ: { قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِى مِنَ ٱللهِ شَيْئاً } ، لا تقدرون أن تردوا عني عذابه إن عذّبني على افترائي، فكيف أفتري على الله من أجلكم، { هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ } ، تخوضون فيه من التكذيب بالقرآن والقول فيه إنه سحر. { كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ } ، أن القرآن جاء من عنده، { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } ، في تأخير العذاب عنكم، قال الزجاج: هذا دعاء لهم إلى التوبة، معناه: إن الله عزّ وجلّ غفور لمن تاب منكم رحيم به. { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ } ، أي بديعاً، مثل نصف ونصيف، وجمع البِدْع أبداع، أي لست بأول مرسل، قد بُعث قبلي كثير من الأنبياء، فكيف تنكرون نبوتي. { وَمَآ أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ } ، اختلف العلماء في معنى هذه الآية: فقال بعضهم: معناه ما أدري ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة، فلما نزلت هذه الآية فرح المشركون، فقالوا: واللات والعزى ما أمْرُنا وأمر محمد عند الله إلا واحد، وما له علينا من مزية وفضل، ولولا أنه ابتدع ما يقوله من ذات نفسه لأخبره الذي بعثه بما يُفعل به، فأنزل اللهلِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [الفتح:2]، فقالت الصحابة: هنيئاً لك يا نبي الله قد علمنا ما يُفعل بك، فماذا يُفعل بنا؟ فأنزل الله تعالى:لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ جَنَّـٰتٍ } الآية، [الفتح:5]، وأنزل:وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ ٱللهِ فَضْلاً كِبِيراً } [الأحزاب:47]، فبين الله تعالى ما يفعل به وبهم، وهذا قول أنس وقتادة والحسن وعكرمة، قالوا: إنما قال هذا قبل أن يخبر بغفران ذنبه وإنما أخبر بغفران ذنبه عام الحديبية، فنسخ ذلك.أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري، عن خارجة ابن زيد قال: " كانت أم العلاء الأنصارية تقول لما قدم المهاجرون المدينة: اقترعت الأنصار على سكنتهم، قالت: فطار لنا عثمان بن مظعون في السكنى، فمرض فمرَّضناه، ثم توفي فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي قد أكرمك الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " وما يُدريك أن الله قد أكرمه "؟ فقلت: لا والله لا أدري فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أما هو فقد أتاه اليقين من ربه وإني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم " قالت: فوالله لا أزكي بعده أحداً أبداً، قالت: ثم رأيت لعثمان بعد في النوم عيناً تجري فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " ذاك عمله ".

السابقالتالي
2