الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآتَيْنَاهُم مِّنَ ٱلآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ } * { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ } * { إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } * { فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ }

{ وَءَاتَيْنَـٰهُم مِّنَ ٱلأَيَـٰتِ مَا فِيهِ بَلاءٌ مُّبِينٌ } ، قال قتادة: نعمة بينة من فلق البحر، وتظليل الغمام، وإنزال المن والسلوى، والنعم التي أنعمها عليهم. وقال ابن زيد: ابتلاهم بالرخاء والشدة، وقرأ:وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } [الأنبياء: 35]. { إِنَّ هَـٰؤُلآءِ } ، يعني مشركي مكة { لَيَقُولُونَ إِنْ هِىَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأُولَى } ، أي لا موتة إلا هذه التي نموتها في الدنيا، ثم لا بعث بعدها، وهو قوله: { وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } ، بمبعوثين بعد موتتنا. { فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ، [الذين ماتوا]، { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } ، أنا نبعث أحياءً بعد الموت، ثم خوّفهم مثل عذاب الأمم الخالية فقال: { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ } ، أي ليسوا خيراً منهم، يعني أقوى وأشد وأكثر من قوم تبع. قال قتادة: هو تُبَّع الحميري، وكان سارَ بالجيوش حتى حيّر الحيرة، وبني سمرقند وكان من ملوك اليمن، سُمي تبعاً لكثرة أتباعه، وكل واحد منهم يسمى: " تبعاً " لأنه يتبع صاحبه، وكان هذا يعبد النار فأسلم ودعا قومه إلى الإسلام وهم حِمْيَر، فكذبوه. وكان من خبره ما ذكره محمد بن إسحاق وغيره. وذكر عكرمة عن ابن عباس قالوا: كان تُبّع الآخر وهو أسعد أبو كرب بن مُلَيك جاء بكرب حين أقبل من المشرق وجعل طريقه على المدينة، وقد كان حين مرّ بها خلف بين أظهرهم ابناً له فقتل غيلة، فَقَدِمَها وهو مُجمِعٌ لإِخرابها واستئصال أهلها، فجمع له هذا الحي من الأنصار حين سمعوا ذلك من أمره، فخرجوا لقتاله وكان الأنصار يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل، فأعجبه ذلك وقال: إن هؤلاء لكرام، إذ جاءه حَبْرَان اسمهما: كعب وأسد من أحبار بني قريظة، عالمان وكانا ابني عم، حين سَمِعَا ما يُريد من إهلاك المدينة وأهلها، فقالا له: أيها الملك لا تفعل فإنك إن أبيت إلا ما تريد حيل بينك وبينها، ولم نأمن عليك عاجل العقوبة. فإنها مهاجَر نبي يخرج من هذا الحي من قريش اسمه محمد، مولده مكة، وهذه دار هجرته ومنزلك الذي أنت به يكون به من القتل والجراح أمر كبير في أصحابه، وفي عدوهم. قال تبّع: من يقاتله وهو نبي؟ قالا: يسير إليه قومه فيقتلون هاهنا، فتناهى لقولهما عمّا كان يريد بالمدينة، ثم إنهما دعواه إلى دينهما فأجابهما واتبعهما على دينهما وأكرمهما وانصرف عن المدينة، وخرج بهما ونفر من اليهود عامدين إلى اليمن، فأتاه في الطريق نفر من هذيل وقالوا: إنا ندلك على بيت فيه كنز من لؤلؤ وزبرجد وفضة، قال: أيُّ بيت؟ قالوا: بيت بمكة، وإنما تريد هذيل هلاكه لأنهم عرفوا أنه لم يُرِدْهُ أحد قط بسوء إلا هلك، فذكر ذلك للأحبار، فقالوا: ما نعلم لله في الأرض بيتاً غير هذا البيت، فاتخذه مسجداً وانسك عنده وانحر واحلق رأسك، وما أراد القوم إلا هلاكك لأنه ما ناوأهم أحدٌ قط إلا هلك، فأكرِمْهُ واصنع عنده ما يصنع أهله، فلما قالوا له ذلك أخذ النفر من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم صلبهم، فلما قدم مكة نزل الشعب شعب البطائح، وكسا البيت الوصائل، وهو أول من كسا البيت، ونحر بالشعب ستة آلاف بدنة، وأقام به ستة أيام وطاف به وحلق وانصرف.

السابقالتالي
2