الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } * { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } * { وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } * { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } * { أَوْ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ } * { فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِيۤ أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } * { وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ }

قوله عزّ وجلّ: { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } ، أي يعرض عن ذكر الرحمن فلم يخف عقابه، ولم يرجُ ثوابه، يقال: عشوت إلى النار أعشو عشواً، إذا قصدتها مهتدياً بها، وعشوت عنها: أعرضت عنها، كما يقول: عدلت إلى فلان، وعدلت عنه، وملت إليه، وملت عنه. قال القرظي: يولي ظهره عن ذكر الرحمن وهو القرآن. قال أبو عبيدة والأخفش: يُظلم بصرف بصره عنه. قال الخليل بن أحمد: أصل العشو النظر ببصر ضعيف. وقرأ ابن عباس: " ومن يعشَ " بفتح الشين أي يعم، يقال عشى يعشى عشاً إذا عمي فهو أعشى، وامرأة عشواء. { نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً } ، قرأ يعقوب: " يقيض " بالياء، والباقون بالنون، نسبب له شيطاناً ونضمه إليه ونسلطه عليه. { فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } ، لا يفارقه، يزين له العمى ويخيل إليه أنه على الهدى. { وَإِنَّهُمْ } ، يعني الشياطين، { لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } ، أي ليمنعونهم عن الهدى وجمع الكناية لأن قوله: { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً } في مذهب جمعٌ وإن كان اللفظَ على الواحد، { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } ، ويحسب كفار بني آدم أنهم على الهدى. { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا } ، قرأ أهل العراق غير أبي بكر: " جاءنا " على الواحد يعنون الكافر، وقرأ الآخرون: جاءانا، على التثنية يعنون الكافر وقرينه، قد جُعلا في سلسلة واحدة. { قَالَ } ، الكافر لقرينه الشيطان، { يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ } ، أي بعد ما بين المشرق والمغرب فغلب اسم أحدهما على الآخر كما يقال للشمس والقمر: القمران، ولأبي بكر وعمر: العُمَران. وقيل: أراد بالمشرقين مشرق الصيف ومشرق الشتاء، والأول أصح، { فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } ، قال أبو سعيد الخدري: إذا بعث الكافر زُوِّج بقرينه من الشياطين فلا يفارقه حتى يصير إلى النار. { وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ } ، في الآخرة، { إِذ ظَّلَمْتُمْ } ، أشركتم في الدنيا، { أَنَّكُمْ فِى ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } ، يعني لا ينفعكم الاشتراك في العذاب ولا يخفف الاشتراك عنكم شيئاً من العذاب، لأن لكل واحد من الكفار والشياطين الحظ الأوفر من العذاب. وقال مقاتل: لن ينفعكم الاعتذار والندم اليوم فأنتم وقرناؤكم اليوم مشتركون في العذاب كما كنتم مشتركين في الدنيا في الكفر. { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِى ٱلْعُمْىَ وَمَن كَانَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } ، يعني الكافرين الذين حقت عليهم كلمة العذاب لا يؤمنون. { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ } ، بأن نميتك قبل أن نعذبهم، { فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } ، بالقتل بعدك. { أَوْ نُرِيَنَّكَ } ، في حياتك، { ٱلَّذِى وَعَدْنَـٰهُمْ } ، من العذاب، { فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ } ، قادرون، متى شئنا عذبناهم، وأراد به مشركي مكة انتقم منهم يوم بدر، هذا قول أكثر المفسرين، وقال الحسن وقتادة: عنى به أهل الإسلام من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم نقمة شديدة في أمته، فأكرم الله نبيه وذهب به ولم يره في أمته إلا الذي يقر عينه، وأبقى النقمة بعده.

السابقالتالي
2