الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ } * { وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي ٱلأَوَّلِينَ } * { وَمَا يَأْتِيهِم مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } * { وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } * { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } * { وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ }

{ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً } ، يقال: ضربت عنه وأضربت عنه إذا تركته وأمسكت عنه و " الصفح " مصدر قولهم صفحت عنه إذا أعرضت عنه، وذلك بأن تُوليه صفحة وجهك وعنقك، والمراد بالذكر القرآن، ومعناه: أفنترك عنكم الوحي ونمسك عن إنزال القرآن فلا نأمركم ولا ننهاكم من أجل أنكم أسرفتم في كفركم وتركتم الإيمان؟ استفهام بمعنى الإنكار، أي: لا نفعل ذلك، وهذا قول قتادة وجماعة. قال قتادة: والله لو كان هذا القرآن رُفع حين رده أوائل هذه الأمة لهلكوا، ولكن الله عاد عليهم بعائدته ورحمته، فكرره عليهم عشرين سنة أو ما شاء الله. وقيل: معناه أفنضرب عنكم بذكيرنا إيّاكم صافحين معرضين. قال الكسائي: أفنطوي عنكم الذكر طياً فلا تُدْعَوْن ولا توعَظون. وقال الكلبي: أفنترككم سُدىً لا نأمركم ولا ننهاكم. وقال مجاهد والسدي: أفنعرض عنكم ونترككم فلا نعاقبكم على كفركم. { أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ } ، قرأ أهل المدينة وحمزة والكسائي: " إن كنتم " بكسر الهمزة، { أَن كُنتُمْ قَوْماً مسرفين } على معنى: إذ كنتم، كقوله:وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [آل عمران: 139]، وقرأ الآخرون بالفتح، على معنى: لأن كنتم قوماً مسرفين مشركين. { وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِى ٱلأَوَّلِينَ * وَمَا يَأْتِيهِم } أي وما كان يأتيهم، { مِّنْ نَّبِىٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } ، كاستهزاء قومك بك، يعزِّي نبيه صلى الله عليه وسلم. { فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً } ، أي أقوى من قومك، يعني الأولين الذين أُهلكوا بتكذيب الرسل، { وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ } ، أي صفتهم وسنتهم وعقوبتهم، فعاقبة هؤلاء كذلك في الإهلاك. { وَلَئِن سَأَلْتَهُم } ، أي سألت قومك، { مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } ، أقروا بأن الله خالقها، وأقروا بعزه وعلمه ثم عبدوا غيره وأنكروا قدرته على البعث لفرط جهلهم. إلى هاهنا تم الإخبار عنهم، ثم ابتدأ دالاًّ على نفسه بصنعه فقال: { ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }. إلى مقاصدكم في أسفاركم. { وَٱلَّذِى نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ } ، أي بقدر حاجتكم إليه لا كما أنزل على قوم نوح بغير قدر حتى أهلكهم. { فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ } ، أي كما أحيينا هذه البلدة الميتة بالمطر كذلك، { تُخْرَجُونَ } ، من قبوركم أحياء. { وَٱلَّذِى خَلَقَ ٱلأَزْوَٰجَ } ، أي الأصناف { كُلَّهَا }: { وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَـٰمِ مَا تَرْكَبُونَ } ، في البر والبحر. { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ } ذكَّر الكناية لأنه ردها إلى " ما ". { ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ } بتسخير المراكب في البر والبحر { وَتَقُولُواْ سُبْحَـٰنَ ٱلَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا } ذلل لنا هذا { وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } مطيقين وقيل: ضابطين. { وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } لمنصرفون في المعاد.

السابقالتالي
2