الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ ٱلإِنسَانَ كَفُورٌ } * { لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ } * { أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } * { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } * { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ }

{ فَإِنْ أَعْرَضُواْ } ، عن الإجابة، { فَمَآ أَرْسَلْنَـٰكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ } ، ما عليك، { إِلاَّ ٱلْبَلَـٰغُ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ مِنَّا رَحْمَةً } ، قال ابن عباس: يعني الغنى والصحة. { فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ } ، قحط، { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ كَفُورٌ } ، أي: لما تقدم من نعمة الله عليه ينسى ويجحد بأول شدة جميع ما سلف من النعم. { للهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ، له التصرف فيهما بما يريد، { يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَـٰثاً } ، فلا يكون له ولد ذكر، قيل: من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر، لأن الله تعالى بدأ بالإناث، { وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ } ، فلا يكون له أنثى. { أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَـٰثاً } ، يجمع له بينهما فيولد له الذكور والإناث، { وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً } ، فلا يلد ولا يولد له. قيل: هذا في الأنبياء عليهم السلام { يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَـٰثاً } يعني: لوطاً لم يولد له ذكر إنما ولد له ابنتان، { وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ } ، يعني: إبراهيم عليه السلام لم يولد له أنثى، { أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَـٰثاً } يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم ولد له بنون وبنات، { وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً } يحيى وعيسى عليهما السلام لم يولد لهما، وهذا على وجه التمثيل، والآية عامة في حق كافة الناس. { إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }. قوله عزّ وجلّ: { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللهُ إِلاَّ وَحْياً } ، وذلك أن اليهود قالُوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تُكلم الله وتنظر إليه، إن كنتَ نبيّاً، كما كلمه موسى ونظر إليه؟ فقال: لم ينظر موسى إلى الله عزّ وجلّ، فأنزل الله تعالى: { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللهُ إِلاَّ وَحْياً } يوحي إليه في المنام أو بالإلهام، { أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } ، يسمعه كلامه ولا يراه، كما كلمه موسى عليه الصلاة والسلام، { أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً } ، إما جبريل أو غيره من الملائكة، { فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ } ، أي: يوحي ذلك الرسول إلى المرسَل إليه بإذن الله ما يشاء. قرأ نافع: " أو يرسلُ " برفع اللام على الابتداء، " فيوحي " ساكنة الياء، وقرأ الآخرون بنصب اللام والياء عطفاً على محل الوحي لأن معناه: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحي إليه أو يرسل رسولاً. { إِنَّهُ عَلِىٌّ حَكِيمٌ }. { وَكَذَلِكَ } ، أي: كما أوحينا إلى سائر رسلنا، { أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } ، قال ابن عباس: نبوة. وقال الحسن: رحمة. وقال السدي ومقاتل: وحياً. وقال الكلبي: كتاباً، وقال الربيع: جبريل. وقال مالك بن دينار: يعني القرآن. { مَا كُنتَ تَدْرِى } ، قبل الوحي، { مَا ٱلْكِتَـٰبُ وَلاَ ٱلإِيمَـٰنُ } ، يعني شرائع الإِيمان ومعالمه. قال محمد بن إسحاق بن خزيمة: " الإيمان " في هذا الموضع: الصلاة، ودليله: قوله عزّ وجلّ:وَمَا كَانَ ٱللهُ لِيُضِيعَ إِيمَـٰنَكُمْ } [البقرة: 143]. وأهل الأصول على أن الأنبياء عليهم السلام كانوا مؤمنين قبل الوحي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعبد الله قبل الوحي على دين إبراهيم، ولم يتبين له شرائع دينه. { وَلَـٰكِن جَعَلْنَـٰهُ نُوراً } ، قال ابن عباس: يعني الإيمان. وقال السدي: يعني القرآن. { نَّهْدِى بِهِ } ، نرشد به، { مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِىۤ } ، أي لتدعو، { إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } ، يعني الإسلام. { صِرَٰطِ ٱللهِ ٱلَّذِى لَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ أَلاَ إِلَى ٱللهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ } ، أي: أمور الخلائق كلها في الآخرة.