الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } * { فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } * { لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } * { وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } * { فَلِذَلِكَ فَٱدْعُ وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } * { وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ٱسَتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } * { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } * { ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ } * { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ }

{ أَمِ ٱتَّخَذُواْ } ، [بل اتخذوا، أي: الكافرون]، { مِن دُونِهِ } ، [أي: من دون الله]، { أَوْلِيَآءَ فَٱللهُ هُوَ ٱلْوَلِىُّ } ، [قال ابن عباس رضي الله عنهما]: وليّك يا محمد وولي مَنِ اتّبعك، { وَهُوَ يُحْيي ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ }. { وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْءٍ } ، من أمر الدين، { فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللهِ } ، يقضي فيه ويحكم يوم القيامة بالفصل الذي يزيل الريب، { ذَلِكُمُ ٱللهُ } ، الذي يحكم بين المختلفين هو، { رَبِّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }. { فَاطِرُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجاً } ، من مثل خلقكم حلائل، قيل: إنما قال " من أنفسكم " لأنه خلق حواء من ضلع آدم. { وَمِنَ ٱلأَنْعَـٰمِ أَزْوَٰجاً } ، أصنافاً ذكوراً وإناثاً، { يَذْرَؤُكُمْ } ، يخلقكم، { فِيهِ } ، أي: في الرحم. وقيل: في البطن. وقيل: على هذا الوجه من الخلقة. قال مجاهد: نسلاً بعد نسل من الناس والأنعام. وقيل: " في " بمعنى الباء أي: يذرؤكم به. وقيل: معناه يكثركم بالتزويج. { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ } ، " مثل " صلة، أي: ليس هو كشيء، فأدخل المثل للتوكيد، كقوله:فَإِنْ ءَامَنُواْ بِمِثْلِ مَآ ءَامَنتُمْ بِهِ } [البقرة: 137]، وقيل: الكاف صلة، مجازه: ليس مثله شيء. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس له نظير { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }. { لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ، مفاتيح الرزق في السموات والأرض. قال الكلبي: المطر والنبات { يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ } لأن مفاتيح الرزق بيده، { إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ }. قوله عزّ وجلّ: { شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ } ، بيّن لكم وسنّ لكم { مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً } ، وهو أول أنبياء الشريعة. قال مجاهد: أوصيناك وإياه يا محمد ديناً واحداً. { وَٱلَّذِىۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } ، من القرآن وشرائع الإسلام، { وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ } ، واختلفوا في وجه الآية: فقال قتادة: تحليل الحلال وتحريم الحرام. وقال الحكم: تحريم الأمهات والبنات والأخوات. وقال مجاهد: لم يبعث الله نبياً إلاّ وَصَّاه بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والإِقرار لله بالطاعة له، فذلك دينه الذي شرع لهم. وقيل: هو التوحيد والبراءة من الشرك. وقيل: هو ما ذكر من بَعْدُ، وهو قوله: { أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ } ، بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفرقة والمخالفة. { كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } ، من التوحيد ورفض الأوثان ثم قال: { ٱللهُ يَجْتَبِىۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ } ، يصطفي إليه من عباده من يشاء، { وَيَهْدِىۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } ، يقبل إلى طاعته. { وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ } ، يعني أهل الأديان المختلفة، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني أهل الكتاب كما ذكر في سورة المنفكين. { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } ، بأن الفرقة ضلالة ولكنهم فعلوا ذلك، { بَغْيًا بَيْنَهُمْ } ، أي: للبغي، قال عطاء: يعني بغياً بينهم على محمد صلى الله عليه وسلم، { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ } ، في تأخير العذاب عنهم، { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } ، وهو يوم القيامة، { لَّقُضِىَ بَيْنَهُمْ } ، بين من آمن وكفر، يعني أنزل العذاب بالمكذبين في الدنيا، { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } ، يعني اليهود والنصارى، { مِن بَعْدِهِمْ } ، من بعد أنبيائهم، وقيل: من بعد الأمم الخالية.

السابقالتالي
2 3