الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فِي ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } * { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ } * { مِن دُونِ ٱللَّهِ قَـالُواْ ضَـلُّواْ عَنَّا بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلْكَافِرِينَ } * { ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ } * { ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } * { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ فَإِذَا جَـآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ قُضِيَ بِٱلْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } * { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ } * { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } * { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَافِرُونَ }

{ فِى ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِى ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } ، قال مقاتل: توقد بهم النار. وقال مجاهد: يصيرون وقوداً للنار. { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ * مِن دُونِ ٱللهِ }؟ يعني الأصنام { قَـالُواْ ضَـلُّواْ عَنَّا } ، فقدناهم فلا نراهم، { بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيئَاً } ، قيل: أنكروا. وقيل: معناه بل لم نكن ندعو من قبل شيئاً ينفع ويضر. وقال الحسين بن الفضل: أي: لم نكن نصنع من قبل شيئاً، أي ضاعت عبادتنا لها، كما يقول مَنْ ضاعَ عمله: ما كنتُ أعمل شيئاً. قال الله عزّ وجلّ: { كَذَلِكَ } أي: كما أضل هؤلاء، { يُضِلُّ ٱللهُ ٱلْكَافِرِين }. { ذَلِكُمْ } العذاب الذي نزل بكم، { بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ } تبطرون وتأشرون، { فِى ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ } تفرحون وتختالون. { ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَٰبَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ * فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللهِ } ، بنصرك، { حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بعضَ الذي نَعِدُهُمْ } ، من العذاب في حياتك، { أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } ، قبل أن يحل ذلك بهم، { فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ }. { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ } ، خبرهم في القرآن، { وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ بِـآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللهِ } ، بأمر الله وإرادته { فَإِذَا جَـآءَ أَمْرُ ٱللهِ } ، قضاؤه بين الأنبياء والأمم، { قُضِىَ بِٱلْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْمُبْطِلُونَ }. { ٱللهُ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَـٰمَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا } ، بعضها، { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا مَنَـٰفِعُ } ، في أصوافها وأوبارها وأشعارها وألبانها. { وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُمْ } ، تحمل أثقالكم من بلد إلى بلد ولِتبلغوا عليها حاجاتكم، { وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } ، أي: على الإِبل في البر وعلى السفن في البحر، نظيره: قوله تعالى:وَحَمَلْنَـٰهُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } [الإسراء: 70]. { وَيُرِيكُمْ ءَايَـٰتِهِ } ، دلائل قدرته، { فَأَىَّ ءَايَـٰتِ ٱللهِ تُنكِرُونَ }. { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَءَاثَاراً فِى ٱلأَرْضِ } ، يعني: مصانعهم وقصورهم، { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم } ، لم ينفعهم، { مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } وقيل: هو بمعنى الاستفهام، مجازه: أيُّ شيء أغنى عنهم كسبهم؟ { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَرِحُواْ } ، رضوا، { بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ } ، قال مجاهد: هو قولهم نحن أعلم، لن نبعث ولن نعذب، سمي ذلك علماً على ما يدعونه ويزعمونه وهو في الحقيقة جهل. { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ * فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ ءَامَنَّا بِٱللهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } ، يعني: تبرأنا مما كنّا نعدل بالله. { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَـٰنُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } ، عذابنا، { سُنَّتََ ٱللهِ } ، قيل: نصبها بنزع الخافض، أي: كسنة الله. وقيل: على المصدر. وقيل: على الإغراء، أي: احذروا سنة الله، { ٱلَّتِى قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِ } ، وتلك السنة أنهم إذا عاينوا عذاب الله آمنوا، ولا ينفعهم إيمانهم عند معاينة العذاب. { وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكافرون } ، بذهاب الدارين، قال الزجاج: الكافر خاسر في كل وقت، ولكنه يتبين لهم خسرانهم إذا رأوا العذاب.