الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } * { يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ } * { وَٱللَّهُ يَقْضِي بِٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } * { أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُواْ سَاحِرٌ كَـذَّابٌ } * { فَلَمَّا جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ ٱقْتُلُوۤاْ أَبْنَآءَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ وَٱسْتَحْيُواْ نِسَآءَهُمْ وَمَا كَـيْدُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } * { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي ٱلأَرْضِ ٱلْفَسَادَ }

{ ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ } ، يُجزى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، { لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ إِنَّ ٱللهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }. { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ } ، يعني: يوم القيامة سميت بذلك لأنها قريبة إذ كل ما هو آت قريب، نظيره قوله عزّ وجلّ:أَزِفَتِ ٱلأَزِفَةُ } [النجم: 57]، أي قربت القيامة. { إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ } ، وذلك أنها تزول عن أماكنها من الخوف حتى تصير إلى الحناجر، فهي لا تعود إلى أماكنها، ولا هي تخرج من أفواههم فيموتوا ويستريحوا. { كَـٰظِمِينَ } ، مكروبين ممتلئين خوفاً وحزناً، والكظم تردد الغيظ والخوف والحزن في القلب حتى يضيق به. { مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ } ، قريب ينفعهم، { وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } ، فيشفع فيهم. { يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ } ، أي: خيانتها وهي مسارقة النظر إلى ما لا يحل. قال مجاهد: وهو نظر الأعين إلى ما نهى الله عنه. { وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ }. { وَٱللهُ يَقْضِى بِٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ } ، يعني الأوثان، { لاَ يَقْضُونَ بِشَىْءٍ } ، لأنها لا تعلم شيئاً ولا تقدر على شيء. قرأ نافع وابن عامر: " تدعون " ، بالتاء، وقرأ الآخرون بالياء. { إِنَّ ٱللهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }. { أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِى ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُم قُوَّةً } ، قرأ ابن عامر: " منكم " بالكاف، وكذلك هو في مصاحفهم، { وَءَاثَاراً فِى ٱلأَرْضِ } ، فلم ينفعهم ذلك. { فَأَخَذَهُمُ ٱللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ ٱللهِ مِن وَاقٍ } ، يدفع عنهم العذاب. { ذَلِكَ } أي: ذلك العذاب الذي نزل بهم، { بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ ٱللهُ إِنَّهُ قَوِىٌّ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }. قوله عزّ وجلّ: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَقََٰرُونَ فَقَالُواْ سَـٰحِرٌ كَـذَّابٌ * فَلَمَّا جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ } ، يعني فرعون وقومه، { ٱقْتُلُوۤاْ أَبْنَآءَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ } قال قتادة: هذا غير القتل الأول، لأن فرعون كان قد أمسك عن قتل الولدان، فلما بعث موسى عليه السلام أعاد القتل عليهم، فمعناه أعيدوا عليهم القتل، { وَٱسْتَحْيُواْ نِسَآءَهُمْ } ، ليصدوهم بذلك عن متابعة موسى ومظاهرته، { وَمَا كَـيْدُ ٱلْكَـٰفِرِينَ } ، وما مكر فرعون وقومه واحتيالهم، { إِلاَّ فِى ضَلَـٰلٍ } ، أي: يذهب كيدهم باطلاً، ويحيق بهم ما يريده الله عزّ وجلّ. { وَقَالَ فِرْعَوْنُ } لملئه، { ذَرُونِىۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ } ، وإنما قال هذا لأنه كان في خاصة قوم فرعون من يمنعه من قتله خوفاً من الهلاك، { وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } ، أي: وليدع موسى ربه الذي يزعم أنه أرسله إلينا فيمنعه منا، { إِنِّىۤ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ } يغير، { دِينَكُـمْ } ، الذي أنتم عليه، { أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى ٱلأَرْضِ ٱلْفَسَادَ } ، قرأ يعقوب وأهل الكوفة " أَوْ أَن يظهر " ، وقرأ الآخرون " وأَن يظهَر " ، وقرأ أهل المدينة والبصرة وحفص " يُظهِر " بضم الياء وكسر الهاء على التعدية، { ٱلْفَسَادَ } نصب لقوله: { أَن يبدل دينكم } ، حتى يكون الفعلان على نسق واحد، وقرأ الآخرون بفتح الياء والهاء على اللزوم، " الفسادُ " ، رفع وأراد بالفساد تبديل الدين وعبادة غيره.