الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ } الآية، نزلت في ناس من أهل مكة تكلَّمُوا بالإِسلام ولم يهاجروا، منهم: قيس بن الفاكه بن المغيرة وقيس بن الوليد بن المغيرة وأشباههما، فلما خرج المشركون إلى بدر خرجوا معهم فقتلوا مع الكفار فقال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَوفَّاهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } ، أراد به ملك الموت وأعوانه، أو أراد ملك الموت وحده، كما قال تعالى:قُلْ يَتَوَفَّـٰكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ } [السجدة: 11]، والعرب قد تخاطب الواحد بلفظ الجمع { ظَـٰلِمِىۤ أَنفُسِهِمْ } ، بالشرك، وهو نصب على الحال أي: في حال ظلمهم، قيل: أي بالمقام في دار الشرك لأن الله تعالى لم يقبل الإِسلام بعد هجرة النبي صلّى الله عليه وسلم إلاَّ بالهجرة. ثم نسخ ذلك بعد فتح مكة فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: " لا هجرة بعد الفتح ". وهؤلاء قُتلوا يومَ بدرٍ وضربتِ الملائكةُ وجوهَهم وأدبارهم، وقالوا لهم: فِيْمَ كنتم؟ فذلك قوله تعالى: { قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ } أي: في ماذا كنتم؟ أو في أي الفريقين كنتم؟ أفي المسلمين؟ أم في المشركين؟ سؤال توبيخ وتعيير فاعتذروا بالضعف عن مقاومة أهل الشرك، و { قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ } ، عاجزين، { فِى ٱلأَرْضِ } ، يعني: إلى المدينة وتخرجوا من مكة، من بين أهل الشرك؟ يعني أرض مكة، { قَالُوۤاْ } يعني: الملائكة { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا } يعني: إلى المدينة وتخرجوا من مكة من بين أهل الشرك؟ فأكذبهم الله تعالى وأعلمنا بكذبهم، وقال: { فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ } ، منزلهم { جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً } ، أي: بئس المصير إلى جهنم.