الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَٰلِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }

قوله تعالى: { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً } الآية، نزلت في مِقْيَس بن صُبَابة الكناني، وكان قد أسلم هو وأخوه هشام، فوجد أخاه هشام قتيلاً في بني النجار فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلم معه رجلاً من بني فِهر إلى بني النجار أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم يأمركم إن علمتمْ قاتل هشام ابن صبابة أن تدفعوه إلى مقيس فيقتص منه، وإن لم تعلموا أن تدفعوا إليه دِيَتَه، فأبلغهم الفهري ذلك فقالوا: سمعاً وطاعة لله ولرسوله، والله ما نعلم له قاتلاً ولكنّا نُؤدي ديته، فأعطوه مائة من الإِبل، ثم انصرفا راجعين نحو المدينة فأتى الشيطان مقيساً فوسوس إليه، فقال: تقبل دية أخيك فتكون عليك مسبَّة، اقتل الذي معك فتكون نفس مكان نفس وفضل الدية فتغفل الفهري فرماه بصخرة فشدخه، ثم ركب بعيراً وساق بقيتها راجعاً إلى مكة كافراً فنزل فيه: { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً } { فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا } ، بكفرِهِ وارتدادِهِ، وهو الذي استثناه النبي صلّى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، عمّن آمَنَهُ فقُتل وهو متعلق بأستار الكعبة. قوله تعالى: { وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ } أي: طرده عن الرحمة، { وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } اختلفوا في حكم هذه الآية: فحكي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن قاتل المؤمن عمداً لا توبةَ له، فقيل له: أليس قد قال الله في سورة الفرقان: «ولا يَقْتُلُون النفسَ التي حرّمَ الله إلاّ بالحقّ» إلى أن قالوَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَـٰعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلاَّ مَن تَابَ } [الفرقان: 67 - 70]، فقال: كانت هذه في الجاهلية، وذلك أن أناساً من أهل الشرك كانُوا قد قتلُوا وزَنُوا فأتَوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقالوا: إنَّ الذي تدعو إليه لَحَسَنٌ، لو تخبرنا أنَّ لِما عملنا كفارة، فنزلت «والذينَ لا يدعُون معَ الله إلهاً آخر» إلى قوله «إلاّ مَنْ تابَ وآمن»، فهذه لأولئك. وأمّا التي في النساء فالرجل إذا عرف الإِسلام وشرائعه ثم قتل فجزاؤه جهنم. وقال زيد بن ثابت: لما نزلت التي في الفرقان «والذينَ لا يدعُونَ معَ الله إلهاً آخر»، عجبنا من لينها فلبثنا سبعة أشهر ثم نزلت الغليظة بعد اللّينة فنسخت اللّينة، وأراد بالغليظة هذه الآية، وباللّينة آية الفرقان. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: تلك آية مكية وهذه مدنية نزلت ولم ينسخها شيء. والذي عليه الأكثرون، وهو مذهب أهل السنة: أن قاتل المسلم عمداً توبته مقبولة لقوله تعالى:وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً } [طه: 82] وقال:إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ }

السابقالتالي
2