الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ ٱلَّذِي تَقُولُ وَٱللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } * { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً } * { وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً }

{ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ } ، يعني: المنافقين يقول باللسان للرسول صلّى الله عليه وسلم: إنّا آمنا بك فَمُرْنا فأمرك طاعة، قال النحويون: أي أمرُنا وشأنُنا أن نطيعك، { فَإِذَا بَرَزُواْ } ، خرجُوا، { مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ ٱلَّذِى تَقُولُ } ، قال قتادة والكلبي: بيّتَ أي: غيّر وبدّل الذي عَهِدَ إليهم النبي صلّى الله عليه وسلم، ويكون التبييت بمعنى التبديل، وقال أبو عبيدة والقتيبي: معناه قالوا وقدرُوا ليلاً غير ما أعطوك نهاراً، وكل ما قدر بليل فهو تبييت، وقال أبو الحسن الأخفش: تقول العرب للشيء إذا قُدِّرَ، قد بُيِّتَ، يُشبهونه بتقدير بيوت الشعر، { وَٱللَّهُ يَكْتُبُ } أي: يُثبتُ ويحفظ، { مَا يُبَيِّتُونَ } ، ما يُزوّرون ويُغيّرون ويقدرون، وقال الضحاك، عن ابن عباس: يعني ما يُسرّون من النفاق، { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } ، يا محمد ولا تعاقبهم، وقيل: لا تُخبرْ بأسمائهم، مُنع الرسول صلّى الله عليه وسلم من الإِخبار بأسماء المنافقين، { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } ، أي: اتخذه وكيلاً فكفى بالله وكيلاً وناصراً. قوله تعالى: { أَفَلاَ يَتَدبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ } ، يعني: أفلا يتفكّرون في القرآن، والتدبر هو النظر في آخر الأمر، ودُبر كلِّ شيءٍ آخره. { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلَـٰفاً كَثِيراً } ، أي تفاوتاً وتناقضاً كثيراً، قاله ابن عباس، وقيل: لوجدوا فيه أي: في الإِخبار عن الغيب بما كان وبما يكون اختلافاً كثيراً، أفلا يتفكرون فيه فيعرفوا - بعدم التناقض فيه وصدق ما يخبر - أنه كلام الله تعالى لأن مالا يكون من عند الله لا يخلو عن تناقض واختلاف. قوله تعالى: { وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ } ، وذلك أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم كان يبعث السرايا فإذا غَلَبُوا أو غُلِبُوا بادَرَ المنافقون يستخبرون عن حالهم، فيُفشون ويُحدِّثون به قبل أن يُحدِّثَ به رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيُضعفون به قلوبَ المؤمنين فأنزل الله تعالى { وإِذَا جَآءَهُمْ } يعني: المنافقين { أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ } أي: الفتح والغنيمة { أَوِ ٱلْخَوْفِ } القتل والهزيمة { أَذَاعُواْ بِهِ } أشاعوه وأفشوه، { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ } أي: لو لم يحدثوا به حتى يكون النبي صلّى الله عليه وسلم هو الذي يحدث به، { وَإِلَىٰ أُوْلِى ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ } ، أي: ذوي الرأي من الصحابة مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، { لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } ، أي: يستخرجونه وهم العلماء، أي: عَلِمُوا ما ينبغي أن يُكتم وما ينبغي أن يُفشي، والاستنباط: الاستخراج، يقال: استنبط الماءَ إذا استخرجه، وقال عكرمة: يستنبطونه أي: يحرصون عليه ويسألون عنه، وقال الضحاك: يتّبعونه، يريد الذين سمعوا تلك الأخبار من المؤمنين والمنافقين ولو ردوه إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم وإلى ذوي الرأي والعلم، لَعلمَه الذين يستنبطونه منهم، أي: يحبون أن يعلموه على حقيقته كما هو.

السابقالتالي
2