الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } * { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }

قوله تعالى: { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ } الآية، نزلت في أوس بن ثابت الأنصاري، توفي وترك امرأةً يقال لها أم كُجّة وثلاث بنات له منها، فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووَصِيّاه سويدٌ وعَرْفَجة، فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئاً، وكانوا في الجاهلية لا يُورِّثون النساء ولا الصغار، وإن كان الصغير ذكراً وإنّما كانوا يورِّثون الرجال، ويقولون: لا نعطي إلا من قاتل وحاز الغنيمة، فجاءت أم كُجّة فقالت: يا رسول الله إن أوس بن ثابت مات وترك عليّ بنات وأنا امرأته، وليس عندي ما أنفق عليهن، وقد ترك أبوهن مالاً حسناً، وهو عند سويد وعرفجة، ولم يعطياني ولا بناتي شيئاً وهنّ في حِجْرِي، لا يطعمنَ ولا يسقين، فدعاهما رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقالا: يا رسول الله ولدها لا يركب فرساً ولا يحمل كلاً ولا يَنْكَأُ عدواً، فأنزل الله عزّ وجلّ، { لِّلرِّجَالِ } يعني: للذكور من أولاد الميت وأقربائه { نَصيِبٌ } حظٌ { مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ } من الميراث، { وَلِلنِّسَآءِ } ، للإِناث منهم، { نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَٰنِ وَٱلأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ } ، أي: من المال، { أَوْ كَثُرَ } منه { نَصِيباً مَّفْرُوضاً } ، نصب على القطع، وقيل: جعل ذلك نصيباً فأثبت لهنّ الميراث، ولم يبين كم هو، فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى سُويد وعُرفجة لا تفرقا من مال أوس بن ثابت شيئاً، فإن الله تعالى جعل لبناته نصيباً مما ترك، ولم يبين كم هو حتى أنظر ما ينزل فيهن، فأنزل الله تعالى { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلاَدِكُمْ } فلما نزلت أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى سويد و«عرفجة أنِ ادفع إلى أُمّ كُجّة الثُّمن مما ترك وإلى بناته الثلثين، ولكما باقي المال».قوله تعالى: { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ } ، يعني: قِسمةَ المواريث، { أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ } ، الذين لا يرِثُون، { وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينُ فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ } ، أي: فارضخوا لهم من المال قبل القسمة، { وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }. اختلف العلماء في حكم هذه الآية، فقال قوم: هي منسوخة، وقال سعيد بن المسيب والضحاك: كانت هذه قبل آية الميراث، فلما نزلت آية الميراث جعلت المواريث لأهلها، ونسخت هذه الآية. وقال آخرون: هي محكمة، وهو قول ابن عباس والشعبي والنخعي والزهري، وقال مجاهد: هي واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم. وقال الحسن: كانوا يعطون التابوت والأواني ورثَّ الثياب والمتاع والشيء الذي يستحيا من قسمته. وإن كان بعض الورثة طفلاً فقد اختلفوا فيه، فقال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: إن كانت الورثة كباراً رضخوا لهم، وإن كانت صغاراً اعتذروا إليهم، فيقول الولي والوصي: إني لا أملك هذا المال إنما هو للصغار، ولو كان لي منه شيء لأعطيتُكم، وإن يكبروا فسيعرفون حقوقك، هذا هو القول بالمعروف.

السابقالتالي
2