الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } * { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }

{ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } ، مِنَ النفاق، أي: علم أنّ ما في قلوبهم خلاف ما في ألسنتِهم، { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } ، أي: عن عُقوبتهم وقيل: فأعرض عن قبول عذرهم وعظهم باللسان، وقل لهم قولاً بليغاً، وقيل: هو التخويف بالله، وقيل: أن توعدهم بالقتل إن لم يتوبوا، قال الحسن: القول البليغ أن يقول لهم: إن أظهرتم ما في قلوبكم من النفاق قُتلتم لأنه يبلغ في نفوسهم كل مبلغ، وقال الضحاك: { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ } في الملأ { وَقُل لَّهُمْ فِىۤ أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } في السرّ والخلاء، وقال: قيل هذا منسوخ بآية القتال. قوله عزّ وجلّ { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ، أي: بأمر الله لأنَّ طاعة الرسول وجبت بأمر الله، قال الزجاج: إلا ليطاع بإذن الله لأنّ الله قد أذن فيه وأمر به، وقيل: إلاَّ ليُطاع كلام تام كاف، بإذن الله تعالى أي: بعلم الله وقضائه، أي: وقوعُ طاعته يكون بإذن الله، { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } ، بتحاكمهم إلى الطَّاغُوت { جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً }. قوله تعالى: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ } ، الآية. أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو اليمان أنا شعيب عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير: " أنَّ الزبير رضي الله عنه كان يحدِّث أنه خاصم رجلاً من الأنصار قد شهد بدراً إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم في شراج مِنَ الحرة كانا يسقيان به. كلاهما، فقال رسول الله للزبير: «اسقِ يا زبير، ثم أرسل إلى جارك»، فغضب الأنصاري، ثم قال: يا رسول الله أن كان ابن عمتك؟ فتلوّن وجهُ رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ثم قال للزبير: اسقِ ثم احبسِ الماءَ حتى يبلغ الجدر، فاستوعى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حينئذ للزبير حقَّه " ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد به سعةً له وللأنصاري، فلمّا أحْفَظَ الأنصاريُ رسولَ الله استوعى للزبير حقّه في صريح الحكم. قال عروة: قال الزبير: والله ما أحسب هذه الآية إلا نزلت في ذلك { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } الآية. ورُوي أن الأنصاري الذي خاصم الزبير كان اسمه حاطب بن أبي بلتعة فلما خَرَجَا مرَّ على المقداد فقال: لمن كان القضاء، فقال الأنصاري: قضَى لابن عمته ولَوَى شدقيه ففطن له يهودي كان مع المقداد، فقال: قاتل الله هؤلاء يشهدون أنه رسول الله ثم يتهمونه في قضاءٍ يقضي بينهم، وايْمُ الله لقد أذنبنا ذنباً مرّة في حياة موسى عليه السلام فدعا موسى إلى التوبة منه، فقال: اقتلوا أنفسكم ففعلنا فبلغ قتلانا سبعين ألفاً في طاعة ربنا حتى رضي عنّا، فقال ثابت بن قيس بن شماس: أمَا والله إنّ الله ليعلم مني الصدقَ ولو أمرني محمد أن أقتل نفسي لفعلت، فأنزل الله في شأن حاطب بن أبي بلتعة: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ }.

السابقالتالي
2