الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً }

قوله تعالى: { وَابتَلُوا ٱلْيَتَـٰمَىٰ } ، الآية نزلت في ثابت بن رفاعة وفي عمه، وذلك أن رفاعة توفي وترك ابنه ثابتاً وهو صغير، فجاء عمه إلى النبي صلّى الله عليه وسلم وقال: إن ابن أخي يتيم في حجري، فما يحل لي من ماله ومتى أدفع إليه ماله؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية { وَابتَلُوا ٱلْيَتَـٰمَىٰ } اختبروهم في عقولهم وأديانِهم وحفظِهم أموالَهم، { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ } ، أي: مبلغ الرجال والنساء، { فَإِنْ ءَانَسْتُمْ } ، أبصرتم، { مِّنْهُمْ رُشْداً } ، فقال المفسرون يعني: عقلاً وصلاحاً في الدين وحفظاً للمال وعلماً بما يصلحه. وقال سعيد بن جبير ومجاهد والشعبي: لا يدفع إليه ماله وإن كان شيخاً حتى يؤنس منه رشده. والابتلاء يختلف باختلاف أحوالهم فإن كان ممن يتصرف في السوق فيدفع الولي إليه شيئاً يسيراً من المال وينظر في تصرفه وإن كان ممن لا يتصرف في السوق فيختبره في نفقة داره، والإِنفاق على عبيده وأُجرائه، وتُختبر المرأةُ في أمر بيتها وحفظ متاعها وغزلها واستغزالها، فإذا رأى حُسن تدبيره، وتصرفه في الأمور مراراً يغلب على القلب رشده، دفعَ المالَ إليه. واعلمْ أن الله تعالى علّق زوال الحَجْرِ عن الصغير وجواز دفع المال إليه بشيئين: بالبلوغ والرُّشد، فالبلوغ يكون بأحد أشياء أربعة، اثنان يشترك فيهما الرجال والنساء، واثنان تختصان بالنساء: فما يشترك فيه الرجال والنساء أحدهما السن، والثاني الاحتلام، أمّا السن فإذا استكمل المولود خمس عشرة سنة حكم ببلوغه غلاماً كان أو جارية، لما. أخبرها عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز ابن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عُيينة عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: عُرضتُ على رسول الله صلّى الله عليه وسلم عام أُحد وأنا ابنُ أربع عشرة سنة، فردّني، ثم عُرضتُ عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني، قال نافع: فحدثتُ بهذ الحديث عمر بن عبد العزيز، فقال: هذا فرق ما بين المقاتلة والذريّة، وكتب أن يفرض لابن خمس عشرة سنة في المقاتلة، ومن لم يبلغها في الذرية.وهذا قول أكثر أهل العلم. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: بلوغ الجارية باستكمال سبعَ عشرة، وبلوغ الغلام باستكمال ثماني عشرة سنة. وأمّا الاحتلام فنعني به نزول المني سواء كان بالاحتلام أو بالجماع، أو غيرهما، فإذا وجد ذلك بعد استكمال تسع سنين من أيهما كان حُكم ببلوغه، لقوله تعالى: { وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ } وقال النبي صلّى الله عليه وسلم لمعاذٍ في الجزية حين بعثه إلى اليمن: " خُذْ من كل حالم ديناراً " وأما الإِنبات، وهو نبات الشعر الخشن حول الفرج: فهو بلوغ في أولاد المشركين، لِما رُوي عن عطية القرظي قال: كنتُ من سبي قريظة، فكانوا ينظرون فمن أنبت الشعر قُتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت ممن لم ينبت.

السابقالتالي
2 3