الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً }

{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ }. قال الكلبي: نزلت في وحشي بن حرب وأصحابه، وذلك أنه لمّا قتل حمزة كان قد جعل له على قتله أن يُعتق فلم يُوفَّ له بذلك، فلما قدم مكة ندم على صنيعه هو وأصحابه فكتبوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أنّا قد ندمنا على الذي صنعنا وأنه ليس يمنعنا عن الإِسلام إلا أنا سمعناك تقول وأنت بمكة:وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ } الآيات [الفرقان: 68]، وقد دعونا مع الله إلهاً آخر وقتلنا النفس التي حرّم الله وزنينا، فلولا هذه الآيات لاتبعناك، فنزلت:إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً } الآيتين، [الفرقان: 70 ــ 71] فبعث بهما رسول الله صلّى الله عليه وسلم إليهم، فلمّا قرؤوا كتبوا إليه: إن هذا شرط شديد نخاف أن لا نعمل عملاً صالحاً، فنزل: إنّ الله لا يغفرُ أنْ يُشْرَكَ بهِ ويغفرُ ما دونَ ذلكَ لمنْ يشاءُ، فبعث بها إليهم فبعثوا إليه: إنّا نخاف أن لا نكون من أهل المشيئة فنزلت:قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } [الزمر: 53]، فبعث بها إليهم فدخلوا في الإِسلام ورجعوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فقبل منهم، ثم قال لوحشي: أخبرني كيف قتلتَ حمزة؟ فلمّا أخبره قال: «ويحك غيّب وجهك عني»، فلحق وحشي بالشام فكان بها إلى أن مات. وقال أبو مجلز عن ابن عمر رضي الله عنه لمّا نزلت: «قلْ يا عباديَ الذين أسرَفُوا على أنفسهم»، الآية قام رجل فقال: والشرك يا رسول الله، فسكتَ ثم قام إليه مرتين أو ثلاثاً فنزلت { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ }. وقال مُطرف بن عبد الله بن الشخير: قال ابن عمر رضي الله عنه: كنّا على عهد محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا مات الرجل على كبيرة شهدنا أنه من أهل النار حتى نزلت هذه الآية { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } فأمسكنا عن الشهادات. حُكي عن علي رضي الله عنه أن هذه الآية أرجى آية في القرآن «ويغفرُ ما دونَ ذلكَ لمنْ يشاء». { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ } ، اختلق، { إِثْماً عَظِيماً }. أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أحمد بن الحسن الحيري أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي أنا محمد بن حماد أنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: " أتى النبيَّ صلّى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: يا رسول الله ما الموجبتان؟ قال: «منْ ماتَ لا يُشركُ بالله شيئاً دخل الجنة، ومنْ ماتَ يشركُ بالله شيئاً دخل النار» ".

السابقالتالي
2