الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }

قوله عز وجل: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ } الآية، والمراد من السُّكْرِ: السُّكرُ من الخمر، عند الأكثرين.وذلك أنّ عبدَ الرحمن بنَ عوف رضي الله عنه صنَع طَعاماً ودَعَا نَاساً من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم وأتاهم بخمر فشربوها قبل تحريم الخمر وسَكِرُوا فحضرت صلاة المغرب فقدّمُوا رجلاً ليصلي بهم فقرأ قلْ يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون، بحذف لا هكذا إلى آخر السورة، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فكانوا بعد نزول هذه الآية يجتنبون السكر أوقات الصلوات حتى نزل تحريم الخمر. وقال الضحاك بنُ مزاحم: أراد به سكر النوم، نهى عن الصلاة عند غلبة النوم. أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن المغلِّس أنا هارون بن إسحاق الهمذاني أخبرنا عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: " إذا نَعِسَ أحدُكم وهو يصلي فليرقُدْ حتى يذهب عنه النومُ فإنّ أحدَكم إذا صلى وهو ينعسُ لعلّه يذهبُ يستغفرُ فيسبُ نفسه ". قوله تعالى: { حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً } ، نصبٌ على الحال، يعني: ولا تقربُوا الصلاة وأنتم جُنُبٌ، يقال: رجلٌ جنبٌ وامرأةٌ جنبٌ، ورجالٌ جنبٌ ونساءٌ جنبٌ. وأصل الجنابةِ: البُعْد، وسُمّي جنباً لأنه يتجنّب موضعَ الصلاة، أو لمجانبته الناسَ وبُعدِهِ منهم، حتّى يغتسلَ. قوله تعالى: { إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ } ، اختلفوا في معناه، فقالوا: [إلا أن تكونوا مسافرين ولا تجدون الماء فتيمّموا، منعَ الجنب من الصلاة حتى يغتسل] إلا أن يكون في سفر ولا يجد ماء فيصلي بالتيمم، وهذا قول علي وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد رضي الله عنهم. وقال الآخرون: المراد من الصلاة موضع الصلاة، كقوله تعالى:وَبِيَعٌ وَصَلَوَٰتٌ } [الحج: 40]، ومعناه: لا تقربُوا المسجدَ وأنتم جنبٌ إلاّ مجتازين فيه للخروج منه، مثل أن ينام في المسجد فيجنب أو يصيبه جنابة والماء في المسجد أو يكون طريقه عليه، فيمرّ فيه ولا يقيم وهذا قول عبد الله بن مسعود وسعيد بن المسيب والضحاك والحسن وعكرمة والنخعي والزهري، وذلك أنّ قوماً من الأنصار كانت أبوابُهم من المسجد فتصيبهم الجنابة ولاَ ماءَ عندهم ولا ممرَّ لهم إلاَّ في المسجد، فرُخّص لهم في العُبور. واختلف أهل العلم فيه: فأباح بعضهم المرورَ فيه على الإِطلاق، وهو قول الحسن وبه قال مالك والشافعي رحمهم الله، ومنع بعضهم على الإِطلاق وهو قول أصحاب الرأي، وقال بعضهم: يتيمم للمرور فيه. أما المُكث فلا يجوز عند أكثر أهل العلم. لِمَا روينا عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9