الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ }

وقوله تعالى: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } الآية. اختلفوا في تأويلهم، فقال بعضهم: معناه إن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا فيهنّ إذا نكحتُموهنّ فانكحُوا غيرَهنٌ من الغرائب مثنَى وثُلاث ورُباعَ. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو اليمان أنا شعيب عن الزهري قال: كان عروة بن الزبير يحدث أنه سأل عائشة رضي الله عنها { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } قالت: هي اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن يتزوجَها بأدنى من سنة نسائها، فنُهوا عن نكاحهنّ إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق، وأُمروا بنكاح من سواهنّ من النساء، قالت عائشة رضي الله عنها: ثم استفتى الناسُ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } إلى قوله تعالى { وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ }.فبيّن الله تعالى في هذه الآية أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال أو مال، رَغِبُوا في نكاحها ولم يلحقوها بسنتها بإكمال الصداق، وإذا كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها والتمسوا غيرها من النساء، قال: فكما يتركونها حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يُقسطوا لها الأوْفَى من الصداق ويُعطوها حقَّها.قال الحسن: كان الرجل من أهل المدينة يكون عنده الأيتام وفيهن من يحل له نكاحها فيتزوجها لأجْلِ مالها وهي لا تعجبه كراهية أن يَدخله غريبٌ فيشاركه في مالها، ثم يسيء صحبتها ويتربص بها أن تموت ويرثها، فعاب الله تعالى ذلك، وأنزل الله هذه الآية.وقال عكرمة: كان الرجل من قريش يتزوج العشر من النساء والأكثر فإذا صار معدماً من مُؤَنِ نسائه مالَ إلى مال يتيمه الذي في حجره فأنفقه، فقيل لهم: لا تزيدوا على أربع حتى لا يحوجكم إلى أخذ أموال اليتامى، وهذه رواية طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقال بعضهم: كانوا يتحرجون عن أموال اليتامى ويترخصون في النساء، فيتزوجون ما شاؤوا وربما عدلوا وربما لم يعدلوا، فلما أنزل الله تعالى في أموال اليتامى { وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ } أنزل هذه الآية { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ } يقول كما خفتم أن لا تُقسطوا في اليتامى فكذلك خافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهنّ فلا تتزوجوا أكثر مما يُمكنكم القيام بحقهن، لأن النساء في الضعف كاليتامى، وهذا قول سعيد بن جبير وقتادة والضحاك والسدي، ثم رخص في نكاح أربع فقال: { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ } فيهن { فَوَٰحِدَةً } ، وقال مجاهد: معناه إن تحرجتم منْ وِلاية اليتامَى وأموالِهم إيماناً فكذلك تحرجوا من الزنا فانكحوا النساء الحلال نكاحاً طيباً ثم بين لهم عدداً، وكانوا يتزوجون ما شاؤوا من غير عدد، قوله تعالى: { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } أي: مَنْ طَابَ كقوله تعالى:

السابقالتالي
2