الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً } ، أي: فضلاً وسعة، { أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ } ، الحرائر { ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } ، قرأ الكسائي { المحصنات } بكسر الصاد حيث كان، إلاّ قوله في هذه السورة والمحصنات من النساء، وقرأ الآخرون بفتح جميعها، { فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُم مِّن فَتَيَـٰتِكُمُ } ، إمائِكم، { ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } ، أي: من لم يقدر على مهر الحرة المؤمنة، فليتزوج الأمةَ المؤمنة. وفيه دليل على أنه لا يجوز للحرّ نكاح الأمة إلاّ بشرطين، أحدهما: أن لا يجدَ مهرَ حرةٍ، والثاني أن يكون خائفاً على نفسه من العَنَت، وهو الزنا، لقوله تعالى في آخر الآية: { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ } ، وهو قول جابر رضي الله عنه، وبه قال طاووس وعمرو بن دينار، وإليه ذهب مالك والشافعي. وجوّز أصحاب الرأي للحرّ نكاح الأمة إلاّ أن تكون في نكاحه حرة، أمّا العبد فيجوز له نكاح الأمة وإن كان في نكاحه حرة أو أمة، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه لا يجوز إذا كانتْ تحته حرة، كما يقول في الحرّ. وفي الآية دليل على أنه لا يجوز للمسلم نكاح الأمة الكتابية لأنه قال { فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُم مِّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } ، جوّز نكاح الأمة بشرط أن تكون مؤمنة، وقال في موضع آخر:وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } [المائدة: 5] أي: الحرائر، جوز نكاح الكتابية، بشرط أن تكون حرّة، وجوّز أصحاب الرأي للمسلم نكاح الأمة الكتابية، وبالاتفاق يجوز وطؤها بملك اليمين. [ { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ } ، أي: لا تتعرضوا للباطن في الإِيمان وخُذوا بالظاهر فإنّ الله أعلمُ بإيمانكم]. { بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ } ، قيل: بعضكم إخوة لبعض، وقيل: كلكم من نفس واحدة فلا تستنكِفُوا من نكاح الإِماء، { فَٱنكِحُوهُنَّ } ، يعني: الإِماء { بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } ، أي: مواليهن، { وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } ، مهورهن، { بِٱلْمَعْرُوفِ } من غير مَطل وضرار، { مُحْصَنَـٰتٍ } ، عفائف بالنكاح، { غَيْرَ مُسَـٰفِحَـٰتٍ } ، أي: غير زَانيات، { وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } ، أي: أحباب تزنون بهن في السرّ، قال الحسن: المسافحة هي أن كل من دعاها تبعتْه، وذات أخدان أي: أن تختص بواحد لا تزني إلا معه، والعرب كانت تحرم الأولى وتجوّز الثانية، { فَإِذَآ أُحْصِنَّ } ، قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بفتح الألف والصاد، أي: حفِظنَ فروجهنّ، وقال ابن مسعود: أسلمنَ، وقرأ الآخرون: { أُحْصِنَّ } بضم الألف وكسر الصاد، أي: زُوِّجْن { فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَـٰحِشَةٍ } ، يعني: الزنا، { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَـٰتِ } ، أي: ما على الحرائر الأبكار إذا زنين، { مِنَ ٱلْعَذَابِ } ، يعني: الحدّ، فيُجلد الرقيق إذا زنى خمسين جلدة، وهل يُغرّب؟ فيه قولان، فإن قلنا يُغرّب فيغرب نصف سنة على القول الأصح ولا رجم على العبيد. رُوي عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة قال: أمرني عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فتية من قريش فجلدنا وَلاَئِدَ من وَلاَئِدَ الإِمارة خمسين في الزنا.

السابقالتالي
2