الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَٰضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }

قوله تعالى: { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ } ، يعني: ذوات الأزواج، لا يحل للغير نكاحُهنّ قبل مفارقة الأزواج، وهذه السابعة من النساء اللاتي حُرِّمت بالسبب. قال أبو سعيد الخدري: نزلت في نساءٍ كُنّ يهاجرنَ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولهن أزواج فيتزوجهن بعض المسلمين، ثم يقدم أزواجهن مهاجرين فنهى الله المسلمين عن نكاحهن. ثم استثنى فقال: { إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ } ، يعني: السبايا اللواتي سُبين ولهن أزواج في دار الحرب فيحلُّ لِمَالِكِهِنّ وطؤهنّ بعد الاستبراء، لأن بالسبي يرتفع النكاح بينها وبين زوجها. قال أبو سعيد الخدري: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم حُنين جيشاً إلى أوطاس فأصابوا سبايا لهن أزواج من المشركين، فكرهوا غشيانهن، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال عطاء: أراد بقوله { إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ } أن تكون أمته في نكاح عبدِهِ فيجوز أن ينزعَها منه. وقيل: أراد بالمحصنات الحرائر ومعناه: أن ما فوق الأربع حرامٌ منهن إلا ما ملكت أيمانُكم، فإنه لا عددَ عليكم في الجواري. قوله تعالى: { كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } ، نصب على المصدر، أي: كتب الله عليكم كتاب الله، وقيل: نصب على الإِغراء، أي: الزموا كتاب الله عليكم، أي: فرض الله تعالى. قوله تعالى: { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } ، قرأ أبو جعفر وحمزة والكسائي وحفص { أُحِل } بضم الأول وكسر الحاء، لقوله { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ } ، وقرأ الآخرون بالنصب، أي: أحلّ الله لكم ما وراء ذلكم، أي: ما سوى ذلكم الذي ذكرتُ من المحرمات، { أَن تَبْتَغُواْ } ، تطلبُوا، { بِأَمْوَٰلِكُمْ } ، أي تنكِحُوا بصداقٍ أو تشترُوا بثمنٍ، { مُّحْصِنِينَ } ، أي: متزوجين مُتَعَفِّفِين، { غَيْرَ مُسَـٰفِحِينَ } ، أي: غير زانين، مأخوذٌ من سَفْحِ الماء وصبِّه وهو المنيُّ، { فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } ، اختلفوا في معناه، فقال الحسن ومجاهد: أراد ما انتفعتم وتلذّذتم بالجماع من النساء بالنكاح الصحيح، { فَـآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } ، أي: مهورهن، وقال آخرون: هو نكاح المتعة وهو أن يِنْكِحَ امرأة إلى مدّة فإذا انقضت تلك المُدّة بانَتْ منه بِلاَ طلاق، وتستبرىء رحمها وليس بينهما ميراث، وكان ذلك مباحاً في ابتداء الإِسلام، ثم نهَى عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلم. أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج أنا محمد بن عبد الله بن نمير أنا أبي أنا عبد العزيز بن عمر حدثني الربيع بن سبرة الجهني أن أباه حدثه أنه كان مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: " يا أيها الناس إني كُنتُ أذِنْتُ لكم في الاستمتاع من النساء، وإنّ الله تعالى قد حرّم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليُخلِ سبيلَه ولا تأخذوا مما آتيتموهنّ شيئاً ".

السابقالتالي
2 3