الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } * { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوۤاْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

{ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعْتَصَمُواْ بِهِ } ، امتنعوا به من زيغ الشيطان، { فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ } ، يعني الجنّة، { وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَٰطاً مُّسْتَقِيماً }. قوله تعالى: { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى ٱلْكَلَـٰلَةِ } نزلت في جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: عادني رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأنا مريض لا أعقل فتوضأ وصبَّ عليَّ من وضوئه، فعقلتُ فقلتُ: يا رسول الله لمن الميراث إنما يرثني الكَلاَلة؟ فنزلت «يستفتُونَك قلِ اللّهُ يُفتيكُمْ في الكَلاَلَة»، وقد ذُكرنا معنى الكَلالَة وحكم الآية في أوّل السورة. وفي هذه الآية بيان حكم ميراث الأخوة للأب والأم أو للأب. قوله { يَسْتَفْتُونَكَ } أي: يستخبرُونَكَ ويسألونَك، { قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى ٱلْكَلَـٰلَةِ } ، { إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ } ، يعني إذا ماتت الأخت فجميع ميراثها للأخ، { إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ } فإن كان لها ابنٌ فلا شيء للأخ، وإنْ كان ولدها أنثى فللأخ ما فَضُلَ عن فرض البنات، { فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ } ، أراد اثنتين فصاعداً، وهو أنّ ما مات وله أخوات فلهنّ الثلثان، { وَإِن كَانُوۤاْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنثَيَيْنِ } ، { يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } ، قال الفراء رحمة الله عليه وأبو عبيدة: معناه أن لا تضلوا، وقيل: معناه يبيّن اللّهُ لكم كراهة أن تضلّوا، { وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ }. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد الله بن رجاء أنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنهم قال: آخرُ سورةٍ نزلتْ كاملَة براءة، وآخر آية نزلت خاتمة سورة النساء يستفتونَكَ قُلِ اللّهُ يُفتيكُم في الكَلاَلة. ورُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ آخر آيةٍ نزلتْ آيةُ الرِّبا، وآخر سورة نزلت إذا جاء نصر الله والفتح. وروي عنه أن آخر آية نزلت قوله تعالى:وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ } [البقرة: 281]. ورُوي بعدما نزلت سورة النصر عاشَ النبي صلّى الله عليه وسلم عاماً، ونزلت بعدها سورة براءة وهي آخر سورة نزلت كاملةً فعاش النبي صلّى الله عليه وسلم بعدها ستة أشهر، ثم نزلت في طريق حجة الوداع " يستفتونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفتيكُم في الكَلالَة " فسُميتْ آية الصيف، ثم نزلت وهو واقف بعرفة:ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى } [المائدة: 3] فعاش بعدها أحداً وثمانين يوماً، ثم نزلت آيات الرِّبا، ثم نزلت " واتّقُوا يوماً تُرجَعُونَ فيهِ إلى اللّهِ " فعاش بعدها أحداً وعشرين يوماً.