الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً }

قوله تعالى: { وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } ، أي: وما من أهل الكتاب إلاَّ ليؤمننّ بعيسى عليه السلام، هذا قول أكثر المفسرين وأهل العلم، وقوله «قبل موته» اختلفوا في هذه الكناية: فقال عكرمة ومجاهد والضحاك والسدي: إنها كناية عن الكتابي، ومعناه: وما من أهل الكتاب أحد إلاَّ ليؤمِننّ بعيسى عليه السلام قبل موته، إذا وقع في البأس حين لا ينفعه إيمانُه سواء احترق أو غرق أو تردَّى في بئر أو سقط عليه جدارٌ أو أكله سبعٌ أو مات فجأةً، وهذه رواية عن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهم. قال: فقيل لابن عباس رضي الله عنهما: أرأيتَ إِن خرَّ من فوق بيت؟ قال: يتكلم به في الهواء قال: فقيل أرأيت إن ضرب عُنقُ أحدهم؟ قال: يتلجلج به لسانه. وذهب قومٌ إلى أن الهاء في «موته» كناية عن عيسى عليه السلام، معناه: وإنّ من أهل الكتاب إلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بعيسى قبل موت عيسى عليه السلام، وذلك عند نزوله من السماء في آخر الزمان فلا يبقى أحدٌ إلا آمن به حتى تكون الملة واحدة، ملة الإِسلام. وروينا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: " يُوشِكُ أنْ ينزلَ فيكم ابنُ مريمَ حَكَماً عدْلاً يكسرُ الصّليبَ، ويقتلُ الخنزيرَ، ويضعُ الجزية، ويفيضُ المالُ حتى لا يقبله أحدٌ، ويهلك في زمانه الملل كلُّها إلاَّ الإِسلام، ويقتلُ الدَّجالَ فيمكثُ في الأرض أربعين سنة ثم يتوفَّى ويُصلي عليه المسلمون " ، وقال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: { وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } ، قبل موت عيسى ابن مريم، ثم يُعيدها أبو هريرة ثلاث مرات. وروي عن عكرمة: أنّ الهاء في قوله { لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ } كناية عن محمد صلّى الله عليه وسلم يقول لا يموت كتابي حتى يؤمن بمحمد صلّى الله عليه وسلم. وقيل: هي راجعة إلى الله عزّ وجلّ يقول: وإنّ مِنْ أهل الكتاب إلا ليؤمنن بالله عزّ وجلّ، قبل موته عند المعاينة حين لا ينفعه إيمانُه. قوله تعالى: { وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكُونُ } ، يعني: عيسى عليه السلام، { عَلَيْهِمْ شَهِيداً } أنّه قد بلّغهم رسالة ربه، وأقر بالعبودية على نفسه [كما قال تعالى خبراً عنهوَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ } [المائدة: 117] وكل نبي شاهد على أُمته] قال الله تعالى:فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداًً } [النساء: 41].