الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي ٱلسَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً } * { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ ٱللَّهِ وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } * { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } * { بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }

قوله تعالى: { وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي ٱلسَّبْتِ } قرأ أهل المدينة بتشديد الدال وفتح العين نافع برواية ورش ويجزمها الآخرون، ومعناه: لا تعتدوا ولا تظلموا باصطياد الحيتان فيه، { وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَـٰقاً غَلِيظاً }. قوله تعالى: { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِّيثَاقَهُمْ } ، أي: فبنقضهم، و«ما» صلة كقوله تعالى:فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ } [آل عمران: 159]، ونحوها، { وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ ٱللَّهِ وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } ، أي: ختم عليها، { فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } ، يعني: ممن كذّب الرُّسلَ لا ممن طُبعَ على قلبه، لأنّ من طبعَ اللّهُ على قلبه لا يُؤمن أبداً، وأراد بالقليل: عبدَ الله بن سلام وأصحابه، وقيل: معناه لا يُؤمنون قليلاً ولا كثيراً. { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } ، حين رموها بالزنا. { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ } وذلك أنّ الله تعالى ألقى شَبهَ عيسى عليه السَّلام على الذي دلّ اليهودَ عليه، وقيل: إنهم حبسوا عيسى عليه السلام في بيت وجعلوا عليه رقيباً فألقَى الله تعالى شبه عيسى عليه السلام على الرقيب فقتلوه، وقيل غير ذلك، كما ذكرنا في سورة آل عمران. قوله تبارك وتعالى: { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } ، في قتله، { لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ } ، أي: في قتله، قال الكلبي: اختلافهم فيه هو أن اليهود قالتْ نحْنُ قتلناه، وقالت طائفة من النصارى نحن قتلناه، وقالت طائفة منهم ما قتله هؤلاء ولا هؤلاء بل رفعه الله إلى السماء، ونحن ننظر إليه، وقيل: كان الله تعالى ألقى شَبه وجه عيسى عليه السلام على وجه صطيافوس ولم يلقه على جسده، فاختلفوا فيه فقال بعضهم قتلنا عيسى، فإن الوجه وجه عيسى عليه السلام وقال بعضهم لم نقتله لأن جسده ليس جسد عيسى عليه السلام، فاختلفوا. قال السدي: اختلافهم من حيث أنّهم قالوا: إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا؟ وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟ قال الله تعالى: { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ } ، من حقيقة أنه قتل أو لم يُقتل، { إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ } ، لكنهم يتبعون الظنّ في قتله. قال الله جل جلاله: { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } ، أي: ما قتلوا عيسى يقيناً { بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ }. وقيل قوله «يقيناً» يرجع إلى ما بعده وقوله «وما قتلوه» كلام تام تقديره: بل رفعه الله إليه يقيناً، والهاء في «ما قتلوه» كناية عن عيسى عليه السلام، وقال الفراء رحمه الله: معناه وما قتلوا الذين ظنوا أنه عيسى يقيناً، ورُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما معناه: ما قتلوا ظنهم يقيناً، { وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً } منيعاً بالنقمة من اليهود، { حَكِيماً } حكم باللعنة والغضب عليهم، فسلّط عليهم ضيطوس بن اسبسيانوس الرومي فقتل منهم مقتلة عظيمة.