الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلأَنْعَٰمِ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَٰنَ وَلِيّاً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً } * { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } * { أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلاً } * { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً }

{ وَلأُضِلَّنَّهُمْ } يعني: عن الحق، أي: لأغوينهم، يقوله إبليس، وأراد به التزيين، وإلاّ فليس إليه من الإِضلال شيء، كما قال:لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِى ٱلأَرْضِ } [الحجر: 39] { وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ } ، قيل: أُمنِّيَنَّهم ركوبَ الأهواء، وقيل: أُمنّينّهم أنْ لا جَنَّةَ ولا نارَ ولا بعث، وقيل: أُمنّينّهم إدراك الآخرة مع ركوب المعاصي، { وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلأَنْعَـٰمِ } أي: يقطعونها ويشقونها، وهي البحيرة { وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما والحسن ومجاهد وسعيد بن المسيب والضحاك: يعني دين الله، نظيره قوله تعالى:لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ } [الروم: 30] أي: لدين الله، يريد وضع الله في الدين بتحليل الحرام وتحريم الحلال. وقال عكرمة وجماعة من المفسرين: فليُغيرنّ خلقَ الله بالخِصاء والوشم وقطع الآذان حتى حرّم بعضهم الخصاء وجوزه بعضهم في البهائم، لأن فيه غرضاً ظاهراً، وقيل: تغيير خلق الله هو أن الله تعالى خلق الأنعام للركوب والأكل فحرَّموها، وخلق الشمسَ والقمرَ والأحجار لمنفعة العباد فعبدوها من دون الله، { وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَـٰنَ وَلِيّاً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } أي: ربّاً يطيعه، { فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً }. { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ } فوعدُهُ وتمنيتُهُ ما يوقع في قلب الإِنسان من طول العمر ونيل الدنيا، وقد يكون بالتخويف بالفقر فيمنعه من الإِنفاق وصلة الرحم كما قال الله تعالى:ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ } [البقرة: 268] ويُمنّيهم بأنْ لا بعثَ ولا جنَّةَ ولا نار { وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ إِلاَّ غُرُوراً } ، أي: باطلاً. { أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً } ، أي: مفرّاً ومعدِلاً عنها. قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } ، أي: من تحت الغُرف والمساكن، { خَـٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلاً }. قوله تعالى: { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } ، الآية. قال مسروق وقتادة والضحاك: أراد ليس بأمانيكم أيها المسلمون ولا أماني أهل الكتاب يعني اليهود والنصارى، وذلك أنّهم افتخروا، فقال أهل الكتاب: نبيّنا قبلَ نبيّكم وكتابُنا قبل كتابِكم فنحن أوْلَى بالله منكم، وقال المسلمون: نبيّنا خاتمُ الأنبياء وكتابُنا يقضي على الكتب، وقد آمنا بكتابكم ولم تُؤمنوا بكتابنا فنحن أوْلى. وقال مجاهد: { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ } يا مشركي أهل الكتاب، وذلك أنهم قالوا: لا بعثَ ولا حسابَ، وقال أهل الكتاب:لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً } [البقرة: 80]لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـٰرَىٰ } [البقرة: 111]، فأنزل الله تعالى: { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ } أي: ليس الأمر بالأماني وإنّما الأمر بالعمل الصالح. { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } وقال ابن عباس وسعيد بن جبير وجماعة: الآية عامة في حق كل عامل. وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما: " لمّا نزلت هذه الآية شقّتْ على المسلمين وقالوا: يا رسول الله وأيّنَا لم يعمل سوءاً غيرك فكيف الجزاء؟ قال: «منه ما يكون في الدنيا، فمنْ يعملْ حسنةً فله عشرُ حسنات، ومنْ جُوزي بالسيّئة نقصتْ واحدةٌ من عشر، وبقيت له تسعُ حسنات، فويل لمن غلب آحادُه أعشارَه، وأمّا ما يكون جزاء في الآخرة فيقابل بين حسناته وسيئاته، فيلقى مكان كل سيئة حسنة وينظر في الفضل، فيعطي الجزاءَ في الجنة فيؤتي كلَّ ذي فضلٍ فَضْلَه» ".

السابقالتالي
2