الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَٰثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَٰناً مَّرِيداً } * { لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً }

قوله تعالى: { إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إلاَّ إِنَـٰثاً } ، نزلت في أهل مكة، أي: ما يعبدون، كقوله تعالىوَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِى } [غافر: 60] أي: اعبدوني، بدليل قوله تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } [غافر: 60]، قوله: { مِن دُونِهِ } أي: من دون الله، { إِلاَّ إِنَـٰثاً } أراد بالإِناث الأوثان لأنهم كانوا يسمونها باسم الإِناث، فيقولون: اللاّت والعزى ومناة، وكانوا يقولون لصنم كل قبيلة: أُنثَى بني فلان فكان في كل واحدة منهن شيطان يتراءى للسدنة والكهنة ويكلمهم، ولذلك قال: { وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَـٰناً } هذا قول أكثر المفسرين. يدل على صحة هذا التأويل - أن المراد بالإِناث الأوثان -: قراءة ابن عباس رضي الله عنه { إنْ يدعُون إلاّ إناثاً } ، جَمْعُ جمعِ الوثن فصيَّر الواو همزة، وقال الحسن وقتادة إلاّ إناثاً أي: مواتاً لا روح فيه، لأن أصنامهم كانت من الجمادات، سمّاها إناثاً لأنه يخبر عن الموات، كما يخبر عن الإِناث، ولأن الإِناث أدون الجنسين، كما أن الموات أرذل من الحيوان، وقال الضحاك: أراد بالإِناث الملائكة، وكان بعضهم يعبدون الملائكة ويقولون: الملائكة إناث، كما قال الله تعالى: { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَـٰثاً } [الزخرف: 19] { وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً } أي: وما يعبدون إلاّ شيطاناً مريداً لأنهم إذا عبدُوا الأصنام فقد أطاعوا الشيطان، والمريد: المارد، وهو المتمرد العاتي الخارج عن الطاعة، وأراد: إبليس. { لَّعَنَهُ ٱللَّهُ } ، أي: أبعده من رحمته، { وَقَالَ } ، يعني: قال إبليس، { لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } ، أي: حظاً معلوماً، فما أُطيع فيه إبليس فهو مفروضه، وفي بعض التفاسير: من كل ألفٍ واحدٌ لله تعالى وتسعمائة وتسعة وتسعون لإِبليس، وأصل الفرض في اللغة: القطع، ومنه الفرضة في النهر وهي الثلمة تكون فيه، وفرض القوس والشِّراك: للشَّقِّ الذي يكون فيه الوَتَر والخيط الذي يشد به الشراك.