* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق
{ هَا أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ } ، أي: يا هؤلاء، { جَـٰدَلْتُمْ } أي: خاصمتم، { عَنْهُمَ } يعني: عن طعمة، وفي قراءة أُبيّ بن كعب: عنه { فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } ، والجدال: شدّة المخاصمة من الجَدْل، وهو شدة الفتل، فهو يريد فتل الخصم عن مذهبه بطريق الحِجاج، وقيل: الجدال من الجَدَالة، وهي الأرض، فكأن كل واحد من الخصمين يروم قهرَ صاحبه وصرعه على الجدالة، { فَمَن يُجَـٰدِلُ ٱللَّهَ عَنْهُمْ } ، يعني: عن طعمة، { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } إذا أخذه الله بعذابه، { أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } ، كفيلاً، أي: من الذي يذبُّ عنهم، ويتولى أمرهم يوم القيامة؟ ثم استأنف فقال: { وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً } ، يعني السرقة، { أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ } ، برميه البريء، وقيل: ومَنْ يعمل سوءاً أي: شِرْكاً أو يظلم نفسَه: يعني: إثماً دُونَ الشَّرك، { ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ } ، أي: يتبْ إليه ويستغفرْهُ، { يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً } ، يعرضُ التوبة على طعمة في هذه الآية. { وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً } ، يعني: يمين طعمة بالباطل، أي: ما سَرَقْتُه إنمّا سرقه اليهودي { فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } ، فإنّما يضرُّ به نفسَه، { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً } ، بسارق الدرع { حَكِيماً } ، حَكَمَ بالقطع على السارق. { وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً } أي: سرقة الدرع، { أَوْ إِثْماً } يمينه الكاذبة، { ثُمَّ يَرْمِ بِهِ } أي: يقذف بمَا جَنَى { بَرِيئاً } منه وهو نسبة السرقة إلى اليهودي { فَقَدِ ٱحْتَمَلَ بُهْتَـٰناً } البهتان: هو البهت، وهو الكذب الذي يُتحيّر في عِظَمِه، { وَإِثْماً مُّبِيناً } أي: ذنباً بيناً، وقوله { ثُمَّ يَرْمِ بِهِ } ولم يقلْ بهما بعد ذكر الخطيئة والإِثم، ردَّ الكنايةَ إلى الإِثم أو جعل الخطيئة والإِثم كالشيء الواحد. قوله تعالى: { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ } ، يقول للنبي صلّى الله عليه وسلم { لَهَمَّتْ } ، لقدْ هَمّتْ أي: أضمرت، { طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ } ، يعني: قوم طعمة، { أَن يُضِلُّوكَ } يخطئوك في الحكم ويلبسوا عليك الأمر حتى تدافع عن طعمة، { وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ } ، يعني يرجع وَبَالُهُ عليهم، { وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْءٍ } ، يُريد أن ضرره يرجع إليهم، { وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ } ، يعني: القرآن، { وَٱلْحِكْمَةَ } ، يعني: القضاء بالوحي { وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } من الأحكام، وقيل: من علم الغيب، { وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً }. قوله تعالى: { لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ } ، يعني: قوم طعمة، وقال مجاهد: الآية عامةٌ في حق جميع الناس، والنّجوى: هي الإِسرار في التدبير، وقيل: النجوى ما ينفرد بتدبير قومٌ سرّاً كان أو جهراً فمعنى الآية: لا خيرَ في كثير مما يدبرونه بينهم، { إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ } أي: إلا في نجوى من أمر بصدقة، فالنّجوى تكون فعلاً. وقيل: هذا استثناء منقطع، يعني: لكن أمر بصدقة. وقيل النجوى هاهنا: الرجال المتناجون، كما قال تعالى:{ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ } [الإسراء: 47]. إلا من أمر بصدقة أي: حثّ عليها، { أَوْ مَعْرُوفٍ } ، أي: بطاعة الله وما يعرفه الشرع، وأعمالُ البِرّ كلِّها معروف، لأنّ العقول تعرفها.