الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوۤاْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَّرْضَىۤ أَن تَضَعُوۤاْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً }

{ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ } الآية. ومثله في القرآن كثير أن يجيء الخبر بتمامه ثم يُنسق عليه خبرٌ آخر، وهو في الظاهر كالمتصل به، وهو منفصل عنه، كقوله تعالى:ٱلآنَ حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ أَنَا رَٰوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } [يوسف: 51]، وهذه حكاية عن امرأة العزيز، وقوله:ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ } [يوسف: 52] إخبار عن يوسف عليه السلام.قوله تعالى { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلاَةَ } روَى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وجابر رضي الله عنهم: أن المشركين لمّا رأوا رسولَ الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابَه قامُوا إلى الظهر يُصلون جماعة ندموا أن لو كانوا كبُّوا عليهم، فقال بعضهم لبعض: دعوهم فإن لهم بعدها صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم يعني صلاة العصر، فإذا قاموا فيها فشدُّوا عليهم فاقتلوهم، فنزل جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إنها صلاة الخوف وإن الله عزّ وجلّ يقول: { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلاَةَ } فعلّمه صلاة الخوف. وجملته: أن العدو إذا كانوا في معسكرهم في غير ناحية القبلة فيجعل الإِمام القوم فرقتين فتقف طائفة وِجَاهَ العدو تحرسُهم، ويشرع الإِمام مع طائفة في الصلاة، فإذا صلى بهم ركعة قام وثبت قائماً حتى أتموا صلاتهم، ذهبوا إلى وِجاهَ العدوِّ ثم أتت الطائفة الثانية فصلى بهم الركعة الثانية، وثبت جالساً حتى أتموا لأنفسهم الصلاة، ثم يُسلّم بهم.وهذه رواية سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلم صلَّى كذلك بذات الرقاع، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق. أنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات " عمّن صلى مع النبي صلّى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف: أنّ طائفة صفّت معه وصفت طائفة وِجَاهَ العدو فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائماً فأتموا لأنفسهم، ثم انصرفُوا وصفّوا وِجَاهَ العدو وجاءتِ الطائفةُ الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم ثم سلّم بهم ". قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف. وأخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا مسدد أنا يحيى عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حَثمة رضي الله عنهم عن النبي صلّى الله عليه وسلم بهذا. وذهب قوم إلى أن الإِمام إذا قام إلى الركعة الثانية تذهب الطائفة الأولى في خلال الصلاة إلى وِجَاهَ العدو وتأتي الطائفة الثانية فيُصلي بهم الركعة الثانية ويسلّم وهم لا يسلمون بل يذهبون إلى وجاه العدو، وتعود الطائفة الأولى فتتمُّ صلاتَها، ثم تعود الطائفة الثانية فتتمُّ صلاتَها، وهذه رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلم صلى كذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5