الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً }

قوله عزّ وجلّ: { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ } أي: سافرتم، { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ } ، أي: حرج وإثم { أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلوٰةِ } ، يعني من أربع ركعات إلى ركعتين، وذلك في صلاة الظهر والعصر والعشاء { إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ } أي: يغتالكم ويقتلكم { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، في الصلاة، نظيره قوله تعالى:عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ } [يونس: 83] أي: يقتلهم. { إِنَّ ٱلْكَـٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً } أي: ظاهر العداوة. اعلم أن قصر الصلاة في السفر جائز بإجماع الأمة، واختلفوا في جواز الإِتمام: فذهب أكثرهم إلى أن القصر واجب، وهو قول عمر وعلي وابن عمر وجابر وابن عباس رضي الله عنهما، وبه قال الحسن وعمر ابن عبد العزيز وقتادة وهو قول مالك وأصحاب الرأي، لِمَا رُوي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالتْ: " الصلاة أول ما فرضت ركعتين فأُقرتْ صلاة السفر وأُتمت صلاة الحضر ". وذهب قوم إلى جواز الإِتمام، رُوي ذلك عن عثمان وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، وبه قال الشافعي رضي الله عنه، إنْ شاءَ أتمَّ وإنْ شاءَ قصرَ، والقصرُ أفضل. [أخبرنا الإِمام عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا إبراهيم بن محمد عن طلحة بن عمرو عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالتْ: " كل ذلك قد فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم قصرَ الصلاةَ وأتمَّ ". وظاهر القرآن يدل على هذا، لأنّه قال: { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلوٰةِ } ، ولفظ لا جُناح إنّما يُستعمل في الرخص لا فيما يكون حتْماً، فظاهر الآية [يُوجب أن القصر] لا يجوز إلا عند الخوف، وليس الأمر على ذلك، إنّما نزلت الآية على غالب أسفار النبي صلّى الله عليه وسلم، وأكثرها لم يخل عن خوف العدو. والقصر جائز في السفر في حال الأمن عند عامة أهل العلم، والدليل عليه ما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا مسلم بن خالد وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روّاد عن ابن جريج أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار عن عبد الله بن بَابَاه عن يعلى بن أمية، قال: " قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنّما قال الله تعالى { أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلوٰةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } ، وقد أمن الناس، فقال عمر رضي الله عنه: عجبتُ مما عجبتَ منه، فسألتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: «صدقة تصدّق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته» ".

السابقالتالي
2