الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـٰؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ } * { أَوَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }

{ فَأَصَـٰبَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ } ، أي: جزاؤها يعني العذاب. ثم أوعد كفار مكة فقال: { وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـٰؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ } ، بفائتين لأن مرجعهم إلى الله عزّ وجلّ. { أَوَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ } أي: يوسع الرزق لمن يشاء { وَيَقْدِرُ } ، أي: يقتر على من يشاء، { إِنَّ فِى ذَلِكَ للأَيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }. قوله عزّ وجلّ: { قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللهِ }. روى سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن ناساً من أهل الشرك كانوا قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: إن الذي تدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزلت هذه الآية. وقال عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وحشي يدعوه إلى الإسلام، فأرسل إليه: كيف تدعوني إلى دينك وأنت تزعم أن من قتل أو أشرك أو زنى يلق آثاماً، يضاعف له العذاب، وأنا قد فعلت ذلك كله، فأنزل الله عزّ وجلّ:إِلاَّ مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً } [مريم: 60] فقال وحشي: هذا شرط شديد لعلّي لا أقدر عليه فهل غير ذلك؟ فأنزل الله تعالى:إِنَّ ٱللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [النساء: 48 و116]، فقال وحشي: أراني بعد في شبهة، فلا أدري يغفر لي أم لا؟ فأنزل الله تعالى: { قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللهِ } ، فقال وحشي: نعم هذا، فجاء وأسلم، فقال المسلمون: هذا له خاصة أم للمسلمين عامة؟ فقال: بل للمسلمين عامة. ورُوي عن ابن عمر قال: نزلت هذه الآيات في عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد ونفر من المسلمين كانوا قد أسلموا ثم فتنوا وعذبوا، فافتتنوا فكنّا نقول: لا يقبل الله من هؤلاء صرفاً ولا عدلاً أبداً، وقوم أسلموا ثم تركوا دينهم لعذاب عذبوا فيه، فأنزل الله تعالى هذه الآيات، فكتبها عمر بن الخطاب بيده ثم بعث بها إلى عياش بن ربيعة والوليد بن الوليد وإلى أولئك النفر فأسلموا وهاجروا. وروى مقاتل بن حيان عن نافع عن ابن عمر قال: كنّا معاشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نُرى أو نقول: ليس بشيء من حسناتنا إلاَّ وهي مقبولة حتى نزلت:أَطِيعُواْ ٱللهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَالكُمْ } [محمد: 33]، فلما نزلت هذه الآية قلنا: ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا الكبائر والفواحش، قال: فكنّا إذا رأينا من أصاب شيئاً منها قلنا قد هلك، فنزلت هذه الآية، فكففنا عن القول في ذلك، فكنّا إذا رأينا أحداً أصاب منها شيئاً خفنا عليه، وإن لم يصب منها شيئاً رجونا له.

السابقالتالي
2 3