الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ }

{ قَالَ } ، داود: { لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ } ، أي: بسؤاله نعجتك ليضمها إلى نعاجه. فإن قيل: كيف قال لقد ظلمك ولم يكن سمع قول صاحبه؟. قيل: معناه إن كان الأمر كما تقول فقد ظلمك، وقيل: قال ذلك بعد اعتراف صاحبه بما يقول. { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ } ، الشركاء، { لَيَبْغِىۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } ، يظلم بعضهم بعضاً، { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } ، فإنهم لا يظلمون أحداً. { وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } ، أي: قليلٌ هم و " ما " صلة يعني: الصالحين الذين لا يظلمون قليل. قالوا: فلما قضى بينهما داود نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك وصعد إلى السماء، فعلم داود أن الله تعالى قد ابتلاه، وذلك قوله: { وَظَنَّ دَاوُودُ } ، أيقن وعلم، { أَنَّمَا فَتَنَّاهُ } ، إنما ابتليناه. وقال السدي بإسناده: أن أحدهما لما قال: { هَذَآ أَخِى } الآية، قال داود للآخر: ما تقول؟ فقال: إن لي تسعاً وتسعين نعجة ولأخي نعجة واحدة وأنا أريد أن آخذها منه فأكمل نعاجي مائة، قال وهو كاره، إذاً لا ندعك وإن رُمتَ ذلك ضربت منك هذا وهذا وهذا، يعني: طرف الأنف وأصله والجبهة، فقال: يا داود أنت أحق بذلك حيث لم يكن لأوريا إلاَّ امرأة واحدة، ولك تسع وتسعون امرأة، فلم تزل تعرضه للقتل حتى قتل وتزوجت امرأته، فنظر داود فلم يرَ أحداً فعرف ما وقع فيه. وقال القائلون بتنزيه الأنبياء في هذه القصة: إن ذنب داود إنما كان أنه تمنى أن تكون امرأة أوريا حلالاً له، فاتفق غزو أوريا وتقدمه في الحرب وهلاكه، فلما بلغ قتله داود لم يجزع عليه كما جزع على غيره من جنده إذا هلك، ثم تزوج امرأته، فعاتبه الله على ذلك، لأن ذنوب الأنبياء وإن صغرت فهي عظمية عند الله. وقيل: كان ذنب داود أن أوريا كان خطب تلك المرأة ووطن نفسه عليها، فلما غاب في غزاته خطبها داود فتزوجت منه لجلالته، فاغتمَّ لذلك أوريا، فعاتبه الله على ذلك حيث لم يترك هذه الواحدة لخاطبها وعنده تسع وتسعون امرأة. أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي قال: ومما يصدق ما ذكرنا عن المتقدمين ما أخبرني عقيل بن محمد بن أحمد الفقيه أن المعافى بن زكريا القاضي ببغداد أخبره عن محمد بن جرير الطبري، قال: حدثني يونس بن عبد الأعلى الصيرفي، أخبرنا ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة، عن أبي صخر، عن يزيد الرقاشي، عن أنس ابن مالك رضي الله عنه سمعه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن داود النبي عليه السلام حين نظر إلى المرأة فهمَّ أن يُجمِع على بني إسرائيل وأوصى صاحب البعث، فقال: إذا حضر العدو فقرّبْ فلاناً بين يدي التابوت، وكان التابوت في ذلك الزمان يستنصر به وبمن قدم بين يدي التابوت، فلم يرجع حتى يقتل أو ينهزم عنه الجيش فقتل زوج المرأة، ونزل الملكان يقصان عليه قصته، ففطن داود فسجد ومكث أربعين ليلة ساجداً حتى نبت الزرع من دمومه على رأسه وأكلت الأرض من جبينه. وهو يقول في سجوده: ربِّ زلَّ داود زلَّة أبعدَ مما بين المشرق والمغرب، ربِّ إن لم ترحم ضعف داود، ولم تغفر ذنبه جعلت ذنبه حديثاً في الخلق من بعده، فجاءه جِبريل من بعد أربعين ليلة فقال: يا داود إن الله قد غفر لك الهم الذي هممت به، فقال داود: إن الرب قادر على أن يغفر لي الهمّ الذي هممت به، وقد عرفت أن الله عدل لا يميل، فكيف بفلان إذا جاء يوم القيامة، فقال: يا رب دمي الذي عند داود، فقال جبريل: ما سألتُ ربك عن ذلك وإن شئت لأفعلن، فقال: نعم، فعرج جبريل وسجد داود، فمكث ما شاء الله ثم نزل جبريل، فقال: سألت الله يا داود عن الذي أرسلتني فيه، فقال: قل لداود إن الله يجمعكما يوم القيامة، فيقول له: هَبْ لي دمك الذي عند داود فيقول: هو لك يا رب، فيقول: إن لك في الجنة ما شئت وما اشتهيت عوضاً عنه ".

السابقالتالي
2 3