الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ لَهُم مُّلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابِ } * { جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن ٱلأَحَزَابِ } * { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ }

{ أَمْ لَهُم مُّلْكُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيَنَهُمَا } ، أي: ليس لهم ذلك، { فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابِ } ، أي: إن ادعوا شيئاً من ذلك فليصعدوا في الأسباب التي توصلهم إلى السماء، وليأتوا منها بالوحي إلى من يختارون، قال مجاهد وقتادة: أراد بالأسباب: أبواب السماء وطرقها من سماء إلى سماء، وكل ما يوصلك إلى شيء من باب أو طريق فهو سببه، وهذا أمر توبيخ وتعجيز. { جُندٌ مَّا هُنَالِكَ } أي: هؤلاء الذين يقولون هذا القول جند هنالك، و " ما " صلة، { مَهْزُومٌ } مغلوب، { مِّنَ ٱلاَْحَزَابِ } ، أي: من جملة الأجناد، يعني: قريشاً. قال قتادة: أخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وهو بمكة أنه سيهزِمُ جندَ المشركين، فقالسَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [القمر: 45]، فجاء تأويلها يوم بدر، و " هنالك " إشارة إلى بدر ومصارعهم، " من الأحزاب " ، أي: من جملة الأحزاب، أي: هم من القرون الماضية الذين تحزبوا وتجمعوا على الأنبياء بالتكذيب، فقهروا وأهلكوا. ثم قال معزياً لنبيه صلى الله عليه وسلم: { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ } قال ابن عباس، ومحمد بن كعب: ذو البناء المحكم، وقيل: أراد ذو الملك الشديد الثابت. وقال القتيبي: تقول العرب: هم في عز ثابت الأوتاد، يريدون أنه دائم شديد. وقال الأسود بن يعفُر:
وَلَقَدْ غَنَوا فيهَا بأَنْعَمِ عيشةٍ   في ظِلِّ مُلْكٍ ثابتِ الأَوْتَادِ
فأصل هذا أن بيوتهم كانت تثبت بالأوتاد. وقال الضحاك: ذو القوة والبطش. وقال عطية: ذو الجنود والجموع الكثيرة، يعني: أنهم كانوا يقوون أمره، ويشدون ملكه، كما يقوي الوتد الشيء، وسميت الأجناد أوتاداً لكثرة المضارب التي كانوا يضربونها ويوتدونها في أسفارهم، وهو رواية عطية عن ابن عباس. وقال الكلبي ومقاتل: " الأوتاد ": جمع الوتد، وكانت له أوتاد يعذب الناس عليها، وكان إذا غضب على أحد مدَّه مستلقياً بين أربعة أوتاد، وشد كل يد ورجل منه إلى سارية، ويتركه كذلك في الهواء بين السماء والأرض حتى يموت. وقال مجاهد، ومقاتل بن حيان: كان يمدّ الرجل مستلقياً على الأرض، يشد يديه ورجليه ورأسه على الأرض بالأوتاد. وقال السدي: كان يمد الرجل ويشده بالأوتاد ويرسل عليه العقارب والحيات. وقال قتادة وعطاء: كانت له أوتاد وأرسان وملاعب يلعب عليها بين يديه.