{ وَحِفْظاً } أي: حفظناها حفظاً { مِّن كُلِّ شَيْطَـٰنٍ مَّارِدٍ } ، متمرد يرمون بها. { لاَّ يَسَّمَّعُونَ } ، قرأ حمزة، والكسائي، وحفص: " يَسَّمَّعون " بتشديد السين والميم، أي: لا يتسمعون، فأدغمت التاء في السين، وقرأ الآخرون بسكون السين خفيف الميم، { إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ } ، أي: إلى الكتبة من الملائكة. و " الملأ الأعلى " هم الملائكة لأنهم في السماء، ومعناه: أنهم لا يستطيعون الاستماع إلى الملأ الأعلى، { وَيُقْذَفُونَ } ، يرمون، { مِن كُلِّ جَانِبٍ } ، من آفاق السماء بالشهب. { دُحُوراً } ، يبعدونهم عن مجالس الملائكة، يقال: دحره دحراً ودحوراً، إذا طرده وأبعده، { وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ } ، دائم، قال مقاتل: دائم إلى النفخة الأولى، لأنهم يحرقون ويتخبلون. { إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ } ، اختلس الكلمة من كلام الملائكة مسارقة، { فَأَتْبَعَهُ } ، لحقه، { شِهَابٌ ثَاقِبٌ } ، كوكب مضيء قوي لا يخطئه يقتله، أو يحرقه أو يُخبله، وإنما يعودون إلى استراق السمع مع علمهم بأنهم لا يصلون إليه طمعاً في السلامة ونيل المراد، كراكب البحر، قال عطاء: سمي النجم الذي يرمى به الشياطين ثاقباً لأنه يثقبهم. { فَٱسْتَفْتِهِمْ } ، يعني سلهم، يعني: أهل مكة، { أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ } ، يعني: من السموات والأرض والجبال، وهذا استفهام بمعنى التقرير، أي: هذه الأشياء أشد خلقاً كما قال:{ لَخَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } [غافر: 57]، وقال:{ ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا } [النازعات: 27]. وقيل: { أَم مَّن خَلَقنَآ } يعني: من الأمم الخالية، لأن " من " يذكر فيمن يعقل، يقول: إن هؤلاء ليسوا بأحكم خلقاً من غيرهم من الأمم، وقد أهلكناهم بذنوبهم، فما الذي يؤمن هؤلاء من العذاب؟ ثم ذكر خلق الإنسان، فقال: { إِنَّا خَلَقْنَـٰهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ } ، يعني: جيد حُرٍّ لاصق يعلق باليد، ومعناه: اللازم، أبدل الميم باءً كأنه يلزم اليد. وقال مجاهد والضحاك: منتن.