الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } * { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } * { يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ } * { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ } * { قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ } * { فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } * { قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ } * { وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } * { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ } * { إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ } * { أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } * { إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ } * { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ } * { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } * { فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ }

{ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } يعني: أهل الجنة في الجنة يسأل بعضُهم بعضاً عن حاله في الدنيا. { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ } ، يعني من أهل الجنة: { إِنِّى كَانَ لِى قَرِينٌ } ، في الدنيا ينكر البعث. قال مجاهد: كان شيطاناً. وقال الآخرون: كان من الإنس. وقال مقاتل: كانا أخوين. وقال الباقون: كانا شريكين أحدهما كافر اسمه قطروس، والآخر مؤمن اسمه يهوذا، وهما اللذان قصّ الله تعالى خبرهما في سورة الكهف في قوله تعالى:وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ } [الكهف: 32]. { يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ } ، بالبعث. { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُراباً وعِظاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ } ، مجزيون ومحاسبون وهذا استفهام إنكار. { قَالَ } ، الله تعالى لأهل الجنة: { هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ } ، إلى النار. وقيل: يقول المؤمن لإخوانه من أهل الجنة: هل أنتم مطلعون إلى النار لننظر كيف منزلة أخي، فيقول أهل الجنة: أنت أعرف به منا. { فَٱطَّلَعَ } ، قال ابن عباس: إن في الجنة كُوىً ينظر أهلها منها إلى النار، فاطلعَ هذا المؤمن، { فَرَءَاهُ فِى سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } ، فرأى قرينه في وسط النار، وإنما سُمّي وسط الشيء سواءً لاستواء الجوانب منه. { قَالَ } ، له: { تَٱللهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ } والله لقد كدت أن تهلكني، قال مقاتل: والله لقد كدت أن تغويني، ومن أغوى إنساناً فقد أهلكه. { وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّى } ، رحمته وإنعامه عليَّ بالإسلام، { لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } ، معك في النار. { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلاُْولَىٰ } ، في الدنيا، { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } قال بعضهم: يقول هذا أهل الجنة للملائكة حين يذبح الموت: أفما نحن بميتين؟ فتقول لهم الملائكة: لا. فيقولون: { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } ، وقيل: إنما يقولونه على جهة الحديث بنعمة الله عليهم في أنهم لا يموتون ولا يعذبون. وقيل: يقوله المؤمن لقرينه على جهة التوبيخ بما كان ينكره. قال الله تعالى: { لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَـٰمِلُونَ } ، أي: لمثل هذا النعيم الذي ذكره من قوله: { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ } ، إلى { فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَـٰمِلُونَ }. { أَذَٰلِكَ } أي: ذلك الذي ذكر لأهل الجنة، { خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } ، التي هي نزل أهل النار، والزقوم: ثمرة شجرة خبيثة مُرّة كريهة الطعم، يُكره أهلُ النار على تناولها، فهم يتزقمونه على أشد كراهية، ومنه قولهم: تزقّم الطعامَ إذا تناوله على كره ومشقة. { إِنَّا جَعَلْنَـٰهَا فِتْنَةً لِّلظَّـٰلِمِينَ } ، الكافرين وذلك أنهم قالوا: كيف يكون في النار شجرة والنار تحرق الشجر؟ وقال ابن الزبعري لصناديد قريش: إن محمداً يخوّفنا بالزقوم، والزقوم بلسان بربر: الزبد والتمر، فأدخلهم أبو جهل بيته، وقال: ياجارية زقمينا، فأتتهم بالزبد والتمر، فقال: تزقموا فهذا ما يوعدكم به محمد. فقال الله تعالى: { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِىۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ } ، قعر النار، قال الحسن: أصلها في قعر جهنم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها. { طَلْعُهَا } ، ثمرها سمي طلعاً لطلوعه، { كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَـٰطِينِ } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: هم الشياطين بأعيانهم شبه بها لقبحها، لأن الناس إذا وصفوا شيئاً بغاية القبح قالوا: كأنه شيطان، وإن كانت الشياطين لا ترى لأن قبح صورتها متصور في النفس، وهذا معنى قول ابن عباس والقرظي، وقال بعضهم: أراد بالشياطين الحيَّات، والعرب تُسمى الحية القبيحة المنظر شيطاناً. وقيل: هي شجرة قبيحة مرّة منتنة تكون في البادية، تسميها العرب رؤوس الشياطين. { فَإِنَّهُمْ لأَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } ، والملء: حشو الوعاء بما لا يحتمل الزيادة عليه.