الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } * { فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } * { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } * { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } * { لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { فَنَبَذْنَاهُ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ }

{ إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلكِ ٱلْمَشْحُونِ } ، يعني: هرب. قال ابن عباس رضي الله عنهما، ووهب: كان يونس وعد قومه العذاب، فلما تأخر عنهم العذاب خرج كالمَشُور منهم، فقصد البحر فركب السفينة، فاحتبست السفينة فقال الملاحون: هاهنا عبد آبق من سيده، فاقترعوا فوقعت القرعة على يونس، فاقترعوا ثلاثاً فوقعت على يونس، فقال يونس: أنا الآبق، وزجّ نفسه في الماء. ورُوي في القصة: أنه لما وصل إلى البحر كانت معه امرأته وابنان له، فجاء مركب فأراد أن يركب معهم فقدَّم امرأته ليركب بعدها، فحال الموج بينه وبين المركب ومرَّ المركب، ثم جاءت موجة أخرى وأخذت ابنه الأكبر وجاء ذئب فأخذ الابن الأصغر، فبقي فريداً، فجاء مركب آخر فركبه فقعد ناحية من القوم، فلما مرت السفينة في البحر ركدت، فاقترعوا، وقد ذكرنا القصة في سورة يونس. فذلك قوله عزّ وجلّ: { فَسَـٰهَمَ } ، فقارع، والمساهمة: إلقاء السهام على جهة القرعة، { فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } ، المقروعين. { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ } ، ابتلعه، { وَهُوَ مُلِيمٌ } ، آتٍ بما يلام عليه. { فَلَوْلآَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } ، من الذاكرين لله قبل ذلك، وكان كثير الذكر، وقال ابن عباس: من المصلين. وقال وهب: من العابدين. وقال الحسن: ما كانت له صلاة في بطن الحوت ولكنه قدم عملاً صالحاً. وقال الضحاك: شكرَ اللهُ تعالى له طاعتَه القديمة. وقيل: " فلولا أنه كان من المسبحين " في بطن الحوت. قال سعيد بن جبير: يعني قوله:لآَّ إِلَـٰهَ إِلآَّ أَنتَ سُبْحَـٰنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } [الأنبياء: 87]. { لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } لصار بطن الحوت له قبراً إلى يوم القيامة. { فَنَبَذْنَـٰهُ } ، طرحناه، { بِٱلْعَرَآءِ } ، يعني على وجه الأرض، قال السدي: بالساحل، والعراء: الأرض الخالية عن الشجر والنبات. { وَهُوَ سَقِيمٌ } ، عليل كالفرخ الممعَّط. وقيل: كان قد بليَ لحمه ورقَّ عظمه ولم يبق له قوة. واختلفوا في مدة لبثه في بطن الحوت، فقال مقاتل بن حيان: ثلاثة أيام. وقال عطاء: سبعة أيام. وقال الضحاك: عشرين يوماً. وقال السدي والكلبي ومقاتل بن سليمان: أربعين يوماً. وقال الشعبي: التقمه ضحى ولفظه عشية.