الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ }

قوله تعالى: { وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } روي عن عبد الله بن مسعود قال: إلياس هو إدريس. وفي مصحفه: وإن إدريس لمن المرسلين. وهذا قول عكرمة. وقال الآخرون: هو نبي من أنبياء بني إسرائيل. قال ابن عباس: هو ابن عم اليسع. قال محمد بن إسحاق: هو إلياس بن بشر بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران. وقال أيضاً محمد بن إسحاق، والعلماء من أصحاب الأخبار: لما قبض الله عزّ وجلّ حزقيل النبي صلى الله عليه وسلم، عظمت الأحداث في بني إسرائيل وظهر فيهم الفساد والشرك، ونصبوا الأوثان وعبدوها من دون الله، فبعث الله عزّ وجلّ إليهم إلياس نبياً وكانت الأنبياء من بني إسرائيل يبعثون بعد موسى بتجديد ما نسوا من التوراة، وبنو إسرائيل كانوا متفرقين في أرض الشام، وكان سبب ذلك أن يوشع بن نون لما فتح الشام بوأها بني إسرائيل وقسمها بينهم، فأحل سبطاً منهم ببعلبك ونواحيها، وهم السبط الذين كان منهم إلياس فبعثه الله تعالى إليهم نبياً، وعليهم يومئذ ملك يقال له: آجب قد أضل قومه وأجبرهم على عبادة الأصنام، وكان يعبد هو وقومه صنماً يقال له: بعل، وكان طوله عشرين ذراعاً وله أربعة وجوه، فجعل إلياس يدعوهم إلى الله عزّ وجلّ وهم لا يسمعون منه شيئاً إلا ما كان من أمر الملك، فإنه صدقه وآمن به فكان إلياس يُقَوِّمُ أمره ويسدده ويرشده، وكان لآجب الملك هذا امرأة يقال لها: أزبيل وكان يستخلفها على رعيته إذا غاب عنهم في غزاة أو غيرها، وكانت تَبرُزُ للناس وتقضي بين الناس، وكانت قتالة للأنبياء، يقال: هي التي قتلت يحيى بن زكريا عليهما السلام، وكان لها كاتب رجل مؤمن حكيم يكتم إيمانه، وكان قد خلّص من يدها ثلثمائة نبي كانت تريد قتل كل واحد منهم إذا بعث سوى الذين قتلتهم، وكانت في نفسها غير محصنة، وكانت قد تزوجت سبعة من ملوك بني إسرائيل، وقتلت كلهم بالاغتيال، وكانت معمرة يقال أنها ولدت سبعين ولداً. وكان لآجب هذا جار رجل صالح يقال له مزدكي، وكانت له جنينة يعيش منها، ويقبل على عمارتها ومرمتها، وكانت الجنينة إلى جانب قصر الملك وامرأته، وكانا يشرفان على تلك الجنينة يتنزهان فيها ويأكلان ويشربان ويقيلان فيها، وكان آجب الملك يحسن جوار صاحبها مزدكي، ويحسن إليه، وامرأته أزبيل تحسده لأجل تلك الجنينة، وتحتال أن تغصبها منه لما تسمع الناس يكثرون ذكرها ويتعجبون من حسنها، وتحتال أن تقتله والملك ينهاها عن ذلك ولا تجد عليه سبيلاً، ثم إنه اتفق خروج الملك إلى سفر بعيد وطالت غيبته فاغتنمت امرأته أزبيل ذلك فجمعت جمعاً من الناس وأمرتهم أن يشهدوا على مزدكي أنه سب زوجها آجب فأجابوها إليه، وكان في حكمهم في ذلك الزمان القتل على من سبّ الملك إذا قامت عليه البينة، فأحضرت مزدكي وقالت له: بلغني أنك شتمت الملك فأنكر مزدكي، فأحضرت الشهود فشهدوا عليه بالزور، فأمرت بقتله وأخذت جنينته، فغضب الله عليهم للعبد الصالح.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7