الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ } * { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ }

{ وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِى ٱلْخَلْقِ } قرأ عاصم، وحمزة " ننكِّسه " بالتشديد، وقرأ الآخرون بفتح النون الأولى وضم الكاف مخففاً، أي: نرده إلى أرذل العمر شبه الصبي في أول الخلق. وقيل: " ننكسه في الخلق " أي: نضعف جوارحه بعد قوتها ونردها إلى نقصانها بعد زيَادتها. { أَفَلاَ يَعْقِلُونَ } ، فيعتبروا ويعلموا أن الذي قدر على تصريف أحوال الإنسان يقدر على البعث بعد الموت. قوله تعالى: { وَمَا عَلَّمْنَـٰهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِى لَهُ } ، قال الكلبي: إن كفار مكة قالوا: إن محمداً شاعر، وما يقوله شعر، فأنزل الله تكذيباً لهم: { وَمَا عَلَّمْنَـٰهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِى لَهُ } أي: ما يتسهل له ذلك، وما كان يتزن له بيت من الشعر، حتى إذا تمثل ببيت شعر جرى على لسانه منكسراً. أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني الحسين بن محمد الثقفي،حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، حدثنا يوسف بن عبد الله بن ماهان، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت:
كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهياً   
فقال أبو بكر: يا رسول الله إنما قال الشاعر:
كفى الشيبُ والإسلامُ للمرءِ ناهياً   
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كفى بالإِسلام والشيب للمرء ناهياً، فقال أبو بكر وعمر: أشهد أنك رسول الله، يقول الله تعالى: { وَمَا عَلَّمْنَـٰهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِى لَهُ }. أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن شريح، أخبرنا أبو القاسم البغوي، أخبرنا علي بن الجعد، حدثنا شريك، عن المقدام بن شريح، عن أبيه قال: قلتُ لعائشة: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت: كان يتمثل من شعر عبد الله بن رواحة. قالت: وربما قال:
ويأتيكَ بالأخبارِ مَنْ لم تُزَوِّد   
وقال معمر عن قتادة: بلغني أن عائشة سئلت: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت: كان الشعر أبغض الحديث إليه، قالت: ولم يتمثل بشيء من الشعر إلا ببيت أخي بني قيس، طرفة:
سَتُبْدِي لَكَ الأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلاً   ويَأْتِيكَ بالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ
" فجعل يقول: " ويأتيك من لم تزود بالأخبار " فقال أبو بكر رضي الله عنه: ليس هكذا يا رسول الله، فقال: " إني لستُ بشاعر ولا ينبغي لي ". { إِنْ هُوَ } ، يعني: القرآن، { إِلاَّ ذِكْرٌ } ، موعظة، { وَقُرْءَانٌ مُّبِينٌ } ، فيه الفرائض والحدود والأحكام.