الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ تَنزِيلَ ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ } * { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ } * { لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } * { إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ }

{ تَنزِيلَ ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ } ، قرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص: " تنزيلَ " بنصب اللام كأنه قال نزل تنزيلاً، وقرأ الآخرون بالرفع، أي: هو تنزيل العزيز الرحيم. { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمْ } ، قيل: " ما " للنفي أي: لم ينذر آباؤهم، لأن قريشاً لم يأتهم نبي قبل محمد صلى الله عليه وسلم وقيل: " ما " بمعنى الذي، أي: لتنذر قوماً بالذي أُنذر آباؤهم، { فَهُمْ غَـٰفِلُونَ } عن الإيمان والرشد. { لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ } ، وجب العذاب، { عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } ، هذا كقوله:وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [الزمر: 71]. { إِنَّا جَعَلْنَا فِىۤ أَعْنـٰقِهِمْ أَغْلَـٰلاً } ، نزلت في أبي جهل وصاحبيه المخزوميين، وذلك أن أبا جهل كان قد حلف لئن رأى محمداً يصلي ليرضخنّ رأسه، فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه، فلما رفعه أُثبتت يده إلى عنقه ولزق الحجر بيده، فلما عاد إلى أصحابه فأخبرهم بما رأى سقط الحجر، فقال رجل من بني مخزوم: أنا أقتله بهذا الحجر، فأتاه وهو يصلي ليرميه بالحجر، فأعمى الله تعالى بصره، فجعل يسمع صوته ولا يراه، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه فقالوا له: ما صنعت؟ فقال: ما رأيته، ولقد سمعت صوته وحال بيني وبينه شيء كهيئة الفحل يخطر بذنبِه، لو دنوت منه لأكلني، فأنزل الله تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَا فِىۤ أَعْنـٰقِهِمْ أَغْلَـٰلاً }. قال أهل المعاني: هذا على طريق المثل، ولم يكن هناك غل، أراد مَنَعْنَاهم عن الإِيمان بموانع، فجعل الأغلال مثلاً لذلك، قال الفرَّاء: معناه إنا حبسناهم عن الإِنفاق في سبيل الله كقوله تعالى:وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ } [الإسراء: 29] معناه لا تمسكها عن النفقة. { فَهِىَ إِلَىٰ ٱلاَْذْقَـٰنِ } ، " هي " كناية عن الأيدي - وإن لم يجر لها ذكر -لأن الغل يجمع اليد إلى العنق، معناه: إنا جعلنا في أيديهم وأعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان، { فَهُم مُّقْمَحُونَ } والمقمح: الذي رفع رأسه وغض بصره، يقال: بعيرٌ قامح إذا روى من الماء فأقمح إذا رفع رأسه وغض بصره. وقال الأزهري: أراد أن أيديهم لما غُلَّتْ إلى أعناقهم رَفَعت الأغلال أذقانهم ورؤوسهم، فهم مرفوعو الرؤوس برفع الأغلال إياها.