الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } * { وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } * { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ وَخشِيَ ٱلرَّحْمـٰنَ بِٱلْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ } * { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِيۤ إِمَامٍ مُّبِينٍ }

{ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً } ، قرأ حمزة والكسائي وحفص " سَدّاً " بفتح السين، وقرأ الآخرون بضمها، { فَأَغْشَيْنَـٰهُمْ } ، فأعميناهم، من التغشية وهي التغطية، { فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } ، سبيل الهدى. { وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }. { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ } يعني إنما ينفع إنذارك من اتبع الذكر، يعني: القرآن، فعمل بما فيه، { وَخشِىَ ٱلرَّحْمـٰنَ بِٱلْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ } ، حسن وهو الجنة. { إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ } ، عند البعث، { وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ } من الأعمال من خير وشر { وَءَاثَارَهُمْ } ، أي ما سنوا من سنة حسنة أو سيئة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ سَنّ في الإِسلام سنّةً حسنةً يعمل بها من بعده كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً ". وقال قوم: قوله: { وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَءَاثَارَهُمْ } أي: خطاهم إلى المسجد. رُوي عن أبي سعد الخدري قال: شكت بنو سلمة بُعْدَ منازلهم من المسجد فأنزل الله تعالى: { وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَءَاثَارَهُمْ }. أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، حدثنا أبو سعيد محمد بن عيسى الصيرفي، حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا محمد بن هشام بن ملاّس النميري، حدثنا مروان الفزاري، حدثنا حميد، عن أنس رضي الله عنه قال: " أرادت بنو سَلِمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعرى المدينة، فقال: يا بني سلمة ألا تحتسبون آثاركم؟ فأقاموا ". وأخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد ابن إسماعيل، حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا أبو أسامة، عن يزيد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدُهم فأبعدُهم ممشىً، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإِمام أعظم أجراً من الذي يصلي ثم ينام ". قوله تعالى: { وَكُلَّ شىْءٍ أَحْصَيْنَـٰهُ } حفظناهُ وعددناه وبيّناه، { فِىۤ إِمَامٍ مُّبِينٍ } ، وهو اللوح المحفوظ.