الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ } * { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } * { وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ } * { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } * { وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ } ، يعني: قرأوا القرآن، { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَـٰرَةً لَّن تَبُورَ } ، لن تفسد ولن تهلك، والمراد من التجارة ما وعد الله من الثواب. قال الفراء: قوله " يرجون " جواب لقوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ }. { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ } ، جزاء أعمالهم بالثواب، { وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ } قال ابن عباس: يعني سوى الثواب مما لم ترَ عين ولم تسمع أذن، { إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } ، قال ابن عباس: يغفر العظيم من ذنوبهم ويشكر اليسير من أعمالهم. { وَٱلَّذِىۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ } ، يعني القرآن، { هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقَاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } من الكتب { إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ }. { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ } يعني: الكتاب الذي أنزلناه إليك الذي ذكر في الآية الأولى، وهو القرآن، جعلناه ينتهي إلى، { ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا }. ويجوز أن يكون «ثم» بمعنى الواو، أي وأورثنا، كقوله:ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنواْ } [البلد: 17]، أي: وكان من الذين آمنوا، ومعنى " أورثنا " أعطينا، لأن الميراث عطاء، قاله مجاهد. وقيل: «أورثنا» أي أخرنا، ومنه الميراث لأنه أخّر عن الميت، ومعناه: أخرنا القرآن عن الأمم السالفة وأعطيناكموه، وأَهّلْنَاكم له. { الذين اصطفينا من عبادنا } ، قال ابن عباس: يريد أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قسمهم ورتبهم فقال: { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَٰتِ } روي عن أسامة بن زيد في قوله عزّ وجلّ: " فمنهم ضالم لنفسه " الآية، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كلهم من هذه الأمة ". أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه، أخبرنا محمد بن علي بن الحسين بن القاضي، أخبرنا بكر بن محمد المروزي، أخبرنا أبو قلابة، حدثنا عمرو بن الحصين، عن الفضل بن عميرة، عن ميمون الكردي، عن أبي عثمان النهدي قال: سمعت عمر بن الخطاب قرأ على المنبر: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } ، الآية، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له " ، قال أبو قلابة: فحدثت به يحيى بن معين فجعل يتعجب منه. واختلف المفسرون في معنى الظالم والمقتصد والسابق. أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو سعيد محمد بن عيسى الصيرفي، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار، حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي، حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن الأعمش، عن رجل، عن أبي ثابت أن رجلاً دخل المسجد فقال: اللهم ارحم غربتي وآنس وحشتي، وسُقْ إليّ جليساً صالحاً، فقال أبو الدرداء: لئن كنت صادقاً لأنا أسعد بك منك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَٰتِ } فقال:

السابقالتالي
2 3